وكلاء العمولة والفرق الكرويّة.. مصالح خارج حدود الرياضة!

 

د. باسل عبد المهدي*

في زحمة الانفجار الهائل الذي سبّبهُ التصاعُد الجنوني في ما وصلت اليه مبالغ العقود في عمليّات بيع وشراء اللاعبين وانتقالاتهم بين الأندية الكرويّة وما يتقاضونه من مكافآت حصل بعضًا من اختلال لدى البعض من هؤلاء واليافعين منهم تحديدًا كنتيجة لقلّة الخبرة أو القادمين والمتأثرين منهم ببعض من الوكلاء من اللاهثين دومًا وراء العمولة باساليب ابتزازيّة. لقد أحدث ذلك حالة انعدام أو ضعف فيها التوازن وتجاوز حدود المعلوم في العلاقات الإنسانيّة والأدبيّة .

لقد تعرّض الحقل الرياضي بشكل عام وكرة القدم خصوصًا الى أساليب متعدّدة من التدخّلات لاغراض ومصالح تقع خارج حدود المصالح الرياضيّة المعروفة .

ولأننا في رياضة العراق وكرته لا زلنا نفتقد الى وجود قانون يُنظّم هذه المهمّات والمعايير المطلوبة لمنح إجازات عمل هذه المهام، نجدُ مفيدًا التعرّض الى هذه الظاهرة وتأثيراتها انسجامًا على ما دار ويدور من تسريبات في بطولة أمم آسيا الأخيرة في الدوحة :

من الأمور المعلومة في ما يطلق عليه بالسوق الكرويّة هو أن المحترفين فيها من اللاعبين، صغارهم وكبارهم، الجيّد فيهم والأكثر جودة، العارف فيهم أو الجاهل منهم، الثريّ والأقل ثراءً، المستورد أو المُصنَّع محليًّا، جميعهم اختاروا بأن تُحاط بهم شلّة يُطلق عليهم مستشارون أو وكلاء!! يعمل هؤلاء على إدارة شؤون تسويق وانتقال المحترفين بين الأندية وفي كثير من الأحوال متابعة نشاطات اللاعبين التجاريّة واستثماراتهم الماليّة. بعض من اللاعبين يلجأ الى مكاتب رسميّة مُرخّصة، وآخرون يفضّلون وكالات عمولة وغيرهم يختارون قانونيًّا أو من رجال الأعمال. كما إن فيهم من يستعين بوليّ أمره أو أحّد أقاربه ليتولّى عنه إدارة هذه الشؤون.

ومن أجل الحيطة أو لاغراض التقتير، وصل الحال الى قيام زوجة اللاعب وحتى مُطلّقته الى خوض غمار الدخول الى معترك هذه السوق الكرويّة، فمسألة تحويل اللاعب وشهرته وإنجازاته ونشاطاته الكرويّة وغير الكرويّة، كواجهة إعلان أو دعاية لبعض المنتوجات صار أمرًا معلومًا ومقبولًا أيضًا ونابعًا من صلب عالم الاحتراف الرياضي. وحين تكون مساعي الوكلاء ووسطاء الرياضيين المحترفين في ضروب الرياضة الفرديّة محدودة كونها تتعلّق برياضي واحد في الغالب، إلا أنها في ضروب الرياضات الجماعيّة وألعاب الكرة خصوصًا، تكون أوقع تأثيرًا وأكثر ضررًا حين تستغلّ وتخرج عن حدود صلاحيّتها المسموحة، كما حصل ذلك مرارًا !

الوسطاء والأزمات المالية 

إن أسوأ ما يمكن أن تصل إليه حالة أي فريق كروي عندما يبدأ بعض وكلاء اللاعبين الاعتقاد بأن في مقدورهم إحداث تغييرات على مجريات العمل مع الفريق واستقطاع حصّة لهم في إدارته وفي توجيه الانتقادات إلى المدرب ومنهجه المستخدم في تدريب لاعبيه. إن على إدارة أي فريق في أي نادي أو منتخب تجنّب السماح لهم بالتدخّل بشكل مباشر أو علني.

إن مهمّاتهم كوسطاء هو السعي لتأمين أجواء الاستقرار وهي متطلّبات لا يمكن تحقيقها عبر التصادم مع المدرب وفي أسلوب الاعتراض أو كيل الاتهامات.

تتصاعد في أحيان عدّة صرخات وطلبات وسطاء اللاعبين بوجوب عقد لقاءات أو اجتماعات رسميّة مع إدارات الفرق لمناقشة المشاكل الفنيّة للفريق بقصد اضعاف سلطات المدرب مع لاعبيه. إنها الإجراءات الأكثر ضررًا على كرة القدم كونها تنطلق، في غالبيّتها، من مصالح ماليّة خاصّة وعلى الإدارات تجنّبها حتى وإن اقتضى الحال فقدان أحّد لاعبي الفريق. وأتعس من ذلك كلّه حين يتحوّل اللاعب الى ما يشبه الدُمية بيد وكيله أو مستشاره، فتفقّد إدارة النادي أو المنتخب، نتيجة ذلك، السُلطة الكافية في تسيير شؤون الفريق. وحين يعلن بأن المشاكل في فريق ما قد فاقت قدرة إدارته على إدراك تأثيراتها والقبض على مفاتيح معالجتها، آنذاك ينبغي التفتيش عن الأدوار التي مارسها وكلاء اللاعبين أو مستشاريهم في الاستغلال وصنع القرار الذي اسقط في الأيدي التي تغلب المصالح الخاصّة على مصلحة الفريق!

إجراءات الفيفا والقنابل الموقوتة !

إن ما تكرَّر من مشاكل خلال السنوات الماضية وفرت قناعة راسخة لدى إدارات الأندية الكرويّة الأوروبيّة بوجوب عدم تضمين عقود اللاعبين أيًّا من الشروط التي تسهّل لوكلائهم الحصول على أيّة صلاحيّة توسّع من سلطاتهم. فهؤلاء يبدأون بالتحرّك بسريّة لزيادة النفوذ في الأندية وإداراتها ويصبحون نتيجة ذلك أشبه بالقنابل الموقوتة داخل هذه الإدارات وستمسي الفرق نتيجتها عُرضة مستمرّة لأجواء الاضطرابات والتوتّر بصورة متصاعدة تؤثّر على حالة الاستقرار المنشودة .

لقد تم التحذير كثيرًا من خطورة هذه الظاهرة التي تسمح بتصاعد هيمنة اللاعبين على فرقهم الكروية نتيجة ( قرار بوسمان** ) الشهير وتداعياته. وبرغم أن تأثيرات ذلك قد انحسرت بعض الشيء بسبب الأزمة الاقتصاديّة التي ألمّت بالقارّة الأوروبية بعد مطلع القرن وانخفاض قيمة اللاعبين بسبب النكسة التي ألمّت ببورصة الانتقالات وضعف المدخولات الماليّة للأندية، مع ذلك ظلّ وكلاء اللاعبين ومُدراء أعمالهم يتمتّعون بسُلطات كبيرة وأحيانًا أكثر من ذي قبل!!

هنا كان على الاتحاد الدولي ( FIFA ) توظيف إجراءات جادّة في تحديد منح إجازات عمل رسميّة لوكالات تسويق اللاعبين وربط ذلك بشروط ماليّة كبيرة تجاوزت حينها مئات الآلاف من النقد الثقيل توضع كضمانات مصرفيّة لإبعاد الذين يتّخذون من ممارسة المهنة هذه كطوق نجاة أخير يُنقذهم من حالات الافلاس المستديمة، والسعي وراء مردودات سخيّة بجهود لا تتطلّب أي قدر من الاعتبارات والخبرات المعرفيّة أو الكافي من الأموال التي توظّف لهذه الاغراض.

إن اجراءات الفيفا وضوابطها المُعلنة هذه سعت الى محاولة تنظيف أسواق الاحتراف الكرويّة من العاملين فيها بالخفاء من دون إجازات عمل مُرخّصة. مع كُلّ ذلك فإن السوق الكرويّة اليوم مهما أتخذ حيالها من إجراءات، تعجُّ بأمثال هؤلاء!! كما إن بعضهم يشغل موقع وعضويّة في مجلس إدارة الاتحاد الكروي في بلده وتنصب جُل مساعيهم في الجري وراء العمولات ويوظّفون الوسائل المشروعة وغير المشروعة أيضًا لهذا الغرض. إن ما يزيد من صعوبة مراقبة تحرّكاتهم هو أنهم في غالبيّتهم عاملون أو مستخدمون لدى وكالات مُرخّصة رسميًّا أو أنهم شُركاء (بالباطن) معها!! إن الأمثلة والشواهد على ذلك عديدة كشفتها كثير من الأحداث والأحاديث أيضًا .

سُلطة خامسة أم أرباح؟

لقد أمست سياسة معلومة أن يتطلّع غالبيّة الوكلاء والوسطاء والمستشارين إلى وسائل للحصول على أرباح متزايدة تُجنى من خلال محاولة إعادة بيع أو انتقال نفس اللاعب مرّات عدّة من نادي الى آخر. أنها سياسة قصيرة النظر وتعطي مردودات مُضادّة تضع معها الوسيط أو الوكيل في خانة عدم الأهليّة .

من الأمور الطبيعيّة أن يحصل الوسيط المُجاز على عمولاته المُقرّرة جرّاء انتقال لاعبيه. بعض إدارات الأندية تلجأ كوسيلة تأمين لحالة الاستقرارمنح حصص أكبر من الأرباح مقابل الجهود المبذولة، إلا أنها تستقطع من أجور اللاعبين وليس من كُلف الانتقال. هذا الأمر سيوفّر وضعًا فيه كثير من الاستقرار المطلوب شريطة كون اللاعب المُحترف على علاقة طيّبة مع وكيل أعماله !

وفي كُل الأحوال ومهما توثّقت العلاقة هذه فإن العارفين ببواطن الأمور يحذّرون من ظاهرة تزايد تأثيرات الوسطاء والوكلاء وسماسرتهم وتحويلهم الى ما يشبه “السلطة الخامسة” في مجالس الإدارة. إن على هؤلاء، مهما اختلفت تسمياتهم التقيّد بحدود إدارة مدخولات موكليهم بشكل يدفع عن اللاعب الهموم وتسهل عليه إمكانيّة الاستقرار والتركيز على مهنته كمحترف .

الخلاصة 

إن أوضاع الاحتراف الكروي في العراق لم تأخذ بعد شكلها واستقرارها المطلوب، الذي لا يمكن أن يحصل إلا من خلال نظام مُلزم ومُعلن يؤطّر بمعايير فنيّة وقانونيّة وماليّة تحفظ للكرة العراقيّة ولسُمعتها استحقاقًا جرّاء توظيفه رسميًّا وتأمين سلامة إجراءات انتقال المحترفين بين الأندية داخل البلد وخارجه أيضًا .

مرّت للآن سنوات والاحتراف الكروي العراقي لا زال غير معرف، ومن غير هويّة، وبلا كفاءة تنقل مردودات استخدامه لصالح تطوير أوضاع الكرة ونتائجها .

نعم لقد كان للأوضاع غير المستقرّة سياسيًّا بعضًا من التأثير على أهميّة الاسراع بتأمين تحقيق ذلك. الآن صار مطلبًا ضروريًّا مُلحًّا لإخراج هذه السوق من حالة الفوضى التي حوّلتها مصالح المُنتفعين فيها الى ما يشبه (سوق الخضار)! إن ما يحصل في إدارات بعض أندية دوري المحترفين والمنهج العفوي المُتّبع في تقرير اسعار انتقال ومكافآت اللاعب المحترف، كما إن ما نقل عن الهرج والمرج الذي ازدحم في فندق إقامة منتخبنا في بطولة أمم آسيا الأخيرة شاهد عملي بسيط على أهميّة السعي الجدّي لنظام من هذا النوع. والله من وراء القصد .

 

* أكاديمي متخصِّص في ( السياسة الرياضيّة(

** قرار بوسمان : في 1 كانون الأوّل 1995 اصدرت محكمة العدل الأوروبيّة العليا قرارًا (نهائي غير قابل للاستئناف أو التمييز) يسمح فيه للاعب البلجيكي (بوسمان) الانتقال من ناديه للعب مع فريق نادي أوروبي خارج بلجيكا من دون حصول النادي الأول على أجور انتقال ما دام عقد عمله مع النادي الأول ساري المفعول. هكذا هي أحكام السوق الأوروبيّة المشتركة التي استند إليها قرار المحكمة أعلاه.  

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

الأولمبيّة تحقق في قضيّة تناول سجاد غانم للمنشّطات!

  بغداد/ فوز أوعز رئيس اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة العراقيّة الدكتور عقيل مفتن بتشكيل لجنة تحقيقيّة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *