من أجل تحضير استراتيجية رياضيّة عراقيّة.. الوضع القائم ومواصفاته 

 

د. باسل عبد المهدي*

أمرٌ مؤلمٌ حقًّا أن نواصل التغنّي بما حقّقته الرياضة العراقيّة من إنجازات وأرقام ماضيًا ونحن نشهد تراوحًا في الذي يحصل في المُنجز منذ ما يُقارب النصف قرن وحتى اليوم .

فرغم اختلاف الظروف وما تلقاه الرياضة من رعاية وما شُيّد من بنى، والأهم ما توفّر لها من حريّة في الفكر والعمل فإن نظرة مقارنة بسيطة لسجلّات الأرقام القياسيّة العراقيّة المُتساقِطة في الفعّاليات الرقميّة تشهد ركودًا قياسًا بما كان يتحقّق ماضيًا. يكفي الإشارة الى أن حصيلة ما جنته المشاركة الرياضيّة العراقيّة من الأوسمة في الدورة الرياضيّة العربيّة التي أقيمت في المغرب عام 1986 يفوق مجموع حصيلة المشاركات العراقيّة الأربعة الأخيرة في الدورات المذكورة .

أكثر وجعًا من ذلك حين تتكدّس الأوراق وما محشوّ فيها من أطروحات وبحوث تتغزّل بالفكر الاستراتيجي، لكنّها غير قادرة على مغادرة غلاف المطبوع الكامنة فيه! لماذا؟ هذا هو السؤال أو اللغز الكبير الذي وجب علينا ضرورة إعادة تبسيط ونشر الموضوعة هذه ( أي الاستراتيجيّة ) للمرّة الثانية أو الثالثة وبأسلوب مباشر وبسيط تركناه بقصدٍ في نهايات مفتوحة تسمح لتلاقح مضاف في الرؤى التي سيستقبلها …

الموجبات الأساسيّة للبدء بإحداث التطوّر

إن من الصعوبة قد تصل الى حدود المستحيل، إمكانية التحدّث عن أي قدرة في تحضير منهاج استراتيجي ( بعيد الأمد ) لرياضة العراق يخرجها من حالة التشرذُم والتخلّف وعدم الاستقرار وفقًا لأفكار عمليّة وواقعيّة ومناخ ملائم لصناعة التطوّر وضمان تحقيق نتائج متصاعدة في الإنجازات الرياضيّة .

فالاستراتيجيّة “كمفهوم” يمكن أن تكون جاهزة ( فقط ) حين تتوفّر مستلزمات تأسيسها، هي :

1 – قوانين العمل المُقرّة وأنظمتها الفاعلة المُحضرة .

2 – الملاكات والقدرات البشريّة المؤهّلة علميًّا والمُهيّئة عمليًّا .

3 – الظروف الماديّة والتقنيّة وما متوفّر من مرافق وبُنى ومستلزمات وأدوات مُساعدة .

من المؤلم الإشارة إلى أن الاوضاع الحاليّة القائمة في رياضة العراق، القانونيّة منها والبشريّة أيضًا تمنع أو تُعطّل امكانيّة وضع أي تخطيط استراتيجي بعيد ( ثمانية سنوات وأكثر) موضع التنفيذ مثلما معمول به اليوم في رياضات العالم المتحضّر .

في مواجهة ذلك مرحليًّا ،على الأقل، نرى بأن الأنسب لتجاوز تأثيرات أوضاع كهذه هو السعي لتحضير وتنفيذ خطط قصيرة المدى (لسنة واحدة) أو متوسّطة (سنتان الى أربع ) في أحسن الأحوال .

الخُطط هذه بنوعيها لا يمكن أن تُعطي ثمار تنفيذها من غير الاستعانة بما يُطلق عليه ( علميًّا ) بعوامل التطوّر المساعدة القائمة أو التي يتوجّب قيامها مع أهمية تحسين نوعيّة توظيفها لهذه الأغراض. أهم العوامل هي :

– الفلسفة أو السياسة الرياضيّة للبلد المُقرّة والمُعلنة والمُلزمة لكلّ مؤسّسات العمل الرياضي .

– الاتفاقيات والعلاقات الدوليّة وتوظيفها في خدمة الرياضة وتطوّرها .

– تأهيل وتحسين أوضاع وكفاءة الملاكات العاملة بمختلف تخصّصاتها العلميّة أو المهنيّة منها والخدمية .

– الظروف الماديّة والتقنيّة .

– العلوم المساعدة وتوظيفها في خدمة التقدّم المطلوب في المُنجز كـ ( الطب والاقتصاد والتربية والإدارة والنفس والاجتماع والإحصاء ..الخ ).

– الظروف الجغرافيّة والمناخيّة وما يُستثمر منها لصالح التطوّر المنشود .

إن كُلّ ذلك مجتمعًا يمثّل في نظر الباحثين ما يمكن أن يطلق عليه “القاعدة الرياضيّة” في المجتمع ويُعبّر عمليًّا عن درجات تفاعل الرياضة وتأثيرها وتأثّرها أيضًا في مجمل حقول المجتمع الأخرى كالسياسة والاقتصاد والتربية والصحّة والإعلام والأمن وغيرها .

كيف البدء؟

إن أّوّل وأهم ما يتوجّب التفكير به في مهمّات من هذا النوع هو السعي لتحسين نوعيّة القرارات الصادرة .

فحُقبة العمل خلال السنوات المنصرمة وتحديدًا منذ حماقة احتلال الكويت فسنوات الحصار انتقالًا إلى الاحتلال وسقوط النظام في 2003 وإلى اليوم قد برهنت من غير أي شكّ، بأن القرار الرياضي العراقي، وعلى كلّ المستويات وفي كلّ المؤسّسات، الرسميّة الحكوميّة أو الأولمبيّة غير الحكوميّة، إنما هو أي (القرار) كان بشكل عام مُتخلّفًا في محتواه ونوعيّته وفي توقيته وطريقة تحضيره وإعلانه ثم في متابعة تنفيذه بشكل يمكن أن يوصَف بأنه من أضعف حلقات العمل الرياضي العراقي، تحوّل نتيجتها الى مشكلة إضافيّة أصابت الرياضة في الصميم وعطّل الى حدود كبيرة مسيرة تطوّر نتائجها بدلًا من أن يكون عاملًا دافعًا لها .

الحقيقة هذه لا تقتصر على ضعف أو خلوّ القرارات من المحتوى العلمي المتوازن والشامل والعادل، وإنما فقرها أيضًا من التقديرات والتوقّعات المحسوبة في جدواها على أرض الواقع قياسًا بما يتقرّر ويُنفق إزاءها من أتعاب مبذولة وأموال مهدورة وزمن ضائع !!

وبرغم كلّ ما بُذل من جهود وما أنفق من تخصيصات كبيرة فلقد ظلّت النتاجات النوعيّة للرياضة في بلدنا خلال الحُقب الأربع الأخيرة ونيف والى اليوم، ظلّت محدودة في نجاحاتها، متعثّرة في مسيرتها، متقاطعة في قراراتها، هزيلة في بُناها، شحيحة في قواعدها، فقيرة في مناهجها، ومشلولة في قوانينها وأنظمتها. ولقد سبّب ذلك تكرار حصول حوادث ونكسات وفضائح مؤسفة شهدها هذا الوسط. فلقد كثرت فيه حالات التزوير والتلاعب وبرزت فيه أيضًاً حالات عصيان وشغب وعُنف وتعصّب مؤلمة ، أبعدته أو كادت، عن ممارسة مهمّاته في تأمين حالة الألفة والوئام الاجتماعي وفي توثيق أواصر المحبّة والأمن على امتداد ربوع بلدنا الحبيب .

الأسباب :

إن أهم ما سبّب كل ذلك يكمن في :

أوّلًا : غياب السياسة الرياضيّة المُقرّة والمُعلنة للعمل الرياضي ومؤسّساته كافة .

ثانيًا : وَهْنٌ ومزاجيّة مُقرفة ومُخرّبة في طريقة تحضير القوانين الرياضيّة وأنظمتها والأساليب المُتّبعة في عمليّات إقرارها وتمرير مسيرة تشريعها .

ثالثًا : ضُعف وقلّة متابعة في الثقافة الرياضيّة والعامّة في مواقع القرار إجمالًا .

رابعًا : استشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي والضعف المصاحب في الرقابة الرسميّة وما يتقرّر ويُنفّذ في مواصلة معاقبة المسيئين .

سِقنا كُلّ هذا الكلام كتمهيد لصناعة ما يُمكن أن يُطلق عليه مشروع أو أافكار لاصلاح المنظومة الرياضيّة العراقيّة، فليس من المعقول أن تمرّ كُلّ السنوات الطوال هذه والمُراقب يشهد استمرارًا متصاعدًا للمظاهر أعلاه وتأثيراتها المُضرِّة.

الحلول وإجراءاتها :

البدء فورًا بتفعيل عملي وواقعي وجاد للمادّة (٣٦) من الدستور العراقي التي منحت الحقّ القانوني لكُلّ مواطن عراقي لمُمارسة الرياضة وألزمت الدولة ومؤسّساتها على رعاية وتنمية هذه الممارسة .

تنظيم حملة وطنيّة شاملة لإعادة تفعيل دروس الرياضة الإلزاميّة في نظام التعليم بكلّ مستوياته وللجنسين .

– إقرار وتنفيذ برنامج منافسات سنوي حديث وشامل لتلاميذ وطلبة المدارس والجامعات واختيار وتنفيذ ذلك النوع من الفعّاليات والمسابقات الرياضيّة الملائمة مع أَعمار وأجناس المشاركين فيها .

–  إعادة النظر في المواد والبرامج الدراسيّة المقرّرة لطلبة كليّات التربية البدنيّة وعلوم الرياضة ومواصلة تكيّفها مع متوجبات التطوّر العلمي الحديث الذي يشهده العالم وأهميّة توظيف برامج الدراسات العليا والعناوين المختارة لطلبتها ورسائلهم العلميّة في خدمة الأغراض المذكورة .

 – كذلك الاستفادة من دور العلم هذه ومنتسبيها كمراكز تدريب تخصّصية لعدد مختار من بعض الفعّاليات الرياضيّة وتشجيع عمليّات كسب وزجّ الملاكات العلميّة والتخصّصية للكليّات هذه للعمل في مجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضيّة .

– السعي الى نشر وتعميم ثقافة العمل الطوعي الأدبي بين صفوف الشباب وفي كلّ مواقع العمل والقيادة، خصوصًا تلك التي لا تستوجب تفرّغًا كاملًا، وكذلك تشجيع وزيادة دعم كُل المبادرات الساعية الى ذلك.

– الالتزام بإقرار ضوابط ومعايير ومواصفات شخصية وعلمية رصينة للمرشحين لانتخابات مجالس ادارة الاندية والاتحادات الرياضية ووضع حد لتكرار حالات التلاعب فيها .

– إعادة النظر في عمليّات توزيع الأموال بموجب نظام عادل وشامل ومنتج يوظّف لصالح الانجاز الرياضي وصانعيه الرئيسين وليس العكس .

-التحضير والالتزام بتنفيذ ديباجة عمل شاملة لمبدأ العقاب والثواب في إدارة العمل الرياضي ونتائجه .

أنها إجراءات أساسيّة مُمَهّدة ومفيدة ، فهي ، وفق الشروط والظروف الحاليّة القائمة وما يحيطها من معوّقات ومشاكل فكريّة وعمليّة بحاجة الى جهد وعمل سيمتدُّ لسنتين على الأقل كي تأخذ تأثيراتها المفيدة على أرض الواقع… بعدها وكنتيجة لما ستحدثه من أسس وتجربة وخبرة فكريّة وعمليّة راسخة سنستطيع التحدّث أو التغنّي بالحُلم ، أي “بالاستراتيجية”.. والله من وراء القصد .

* أكاديمي متخصّص في (السياسة الرياضية)

أنشر عبر

شاهد أيضاً

ريال مدريد يتفوّق على أتلانتا في قمّة نارية بدوري الأبطال  

  متابعة: سمير السعد شهدت ليلة أمس (الإثنين) واحدة من أروع مباريات دوري أبطال أوروبا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *