كُرتنا أضاعت الأموال والأجيال!

 

يونس القطان*

حينما كنتُ طفلاً صغيرًا في أوائل السبعينيّات، كنتُ أسمعُ عن المصارع عدنان القيسي وشغف الناس والمجتمع والرجال والنساء والشيوخ والأطفال الأكبر سنًّا منّي به حيث تنتظرهُ الجماهير بشغفٍ كبيرٍ جدًّا لكي يلعب مع أبطال آخرين من دول أخرى.

وكانت الدولة كُلّها مشغولة وداعمة لإشغال الجماهير بهذا الحدث وجنّدوا (الإعلام والصحافة والتلفاز والمُخابرات والشرطة) كُلّها لأجل تلهية الناس وصرف أذهانهم عن أمور أهم بكثير من هكذا مسرحية!

المُفارقة العجيبة والغريبة أن الدولة والحكومة حينذاك لا تهتمّ بأي لعبة أو نشاط رياضي وكانت تعتبرها أمور ترفيهيّة ليس إلا! أما اليوم وبعد أكثر من خمسين عامًا نعود إلى نفس النهج ونفس اللهو والضحك على ذقون الجماهير، ولكن بطرق احترافيّة أكثر حيث أضيفت إليها الكثير من الأموال والمؤسّسات!

وبدلًا من أن تقوم الحكومات العراقيّة المُتعاقبة على إدارة الدولة والمجتمع بالعمل العلمي والإداري الصحيح لبناء رياضة حقيقيّة تشمل كُلّ الألعاب وتشجّع كُلّ الرياضات سواء الفرديّة أم الجماعيّة، تفاجأنا بأن مسؤولي الحكومة وأغلب الوزارات لا يهتمّون إلا بلعبة كرة القدم، وتُصرف الأموال الطائلة منذ عشرين سنة على أندية ومنتخبات واتحادات كرويّة لم تستطع بناءَ منتخب واحد جيّد أو تجلبَ وسامًا أولمبيًّا واحدًا أو تبني ناديًا نموذجيًّا واحدًا بشكلٍ جيّد.  

كُل ما حدث هو إلهاء الناس، وضياع أموال وأجيال من جميع المواهب الحقيقيّة، وقتل أغلب الألعاب الفرديّة أو الجماعيّة على حساب انتعاش وتشجيع ودعم كبير لكرة القدم المُدللة!  

المصيبة الأكبر والأعظم إن هناك من جلب واستقدم وساند وساعد على وضع أناس وصفوا بأنّهم خُبراء ومستشارين يفترض لديهم تخصّص معيّن، لكنّهم مع كُل أسفٍ اتضح أنهم اصحاب بناء أنفسهم ماديًا ويُشار إليهم بالبنان، وأضاعوا بناء رياضة حقيقيّة ومتوازنة لكُلّ الألعاب الرياضيّة، ولم يقدّموا شيئًا يُذكر، بل أسهم تخلّفهم وعجزهم في البناء الحقيقي لأن يجعلوا من كرة القدم هي الأولى في كُلّ شيء ولم تُحقق لنا كُلّ شيءّ!

نعم كرة القدم هي اللعبة الشعبيّة الأولى بالعالم، ولكن لو نظرنا إلى كُلّ الدول المتحضّرة والمتخلّفة، الغنيّة والفقيرة، الكبيرة والصغيرة، نجدها تهتمّ كثيرًا ببقيّة الألعاب الأولمبيّة والفرديّة، ولديها استراتيجيّات جيّدة للنهوض بمستوى كُل الألعاب واللاعبين، والدليل دول غنية مثل الصين وروسيا والنرويج وجنوب أفريقيا وكوبا والفقيرة مثل سريلانكا والنيبال عاد ممثّلوها بكميّة كبيرة من الميداليّات الملوّنة التي حصدوها أثناء المشاركات الدوليّة والأقليميّة والأولمبيّة.

يا ترى وسط هذا العدد الكبير من حملة الشهادات العُليا والمستشارين بماذا نبرّر الفشل المرير جدًا حتى باللعبة الأولى آلتي صرفوا عليها من الخزينة العامة ملايين الدولارات للتحضير والتحفيز؟ وإلى متى يظلُّ الإهمال يطول الرياضات الأخرى، ثم هل يوجد موعد في الأفق يُنهي حلقات مسلسل الضحك على الذقون؟!

* المدرب المساعد الأسبق للمنتخب الوطني بكرة القدم

 

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

عهد بعثة فلسطين الأولمبيّة

  أسامة فلفل* وجع الغربة والفراق والبُعد عن الأحبّة والإخوّة والرفاق والأهل والعشيرة ورفاق الدرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *