كتب: أ. د هلال عبدالكريم*
في المجال الرياضي العديد من الظواهر النفسيّة المُسبّبة لانخفاص المستوى، والذي يعتقد البعض أن مسبّباته بدنيّة فقط أو نفسيّة فقط.
في حقيقة الأمر أن ظاهرة الاحتراق النفسي (burnout) هي من أخطر الظواهر النفسيّة التي تنتشر في المجتمعات الرياضيّة المتخلفة في الثقافة الرياضيّة أو لا تتبع المنهج العلمي في التدريب أو الإدارة الفنيّة للرياضة، إذ أن التدريب النجاح يستند إلى إدارة رياضيّة ناجحة تستوعب كُل متطلّبات الإنجاز الرياضي بعموميّاته وبأدقّ تفاصيله.
ولابد أن نعرف الاحتراق النفسي نظريًّا وعمليًّا، فهو حالة الانهيار النفسي الذي تجعل الرياضي يفقد دافعيّته للأداء ويعتبر الرياضة خبرة فاشلة وعليه فإنه قد يترك الرياضة وهو راضيًا جدًا عن قراره كما فعلت “أشلي بارتي” حين تركت قمّة التنس وهي راضية عن قرارها.
تشير الدراسات والتجارب أن هناك علاقة حقيقيّة بين الاحتراق النفسي والتدريب الزائد (over training) والذي هو تعرّض الرياضي إلى حمل شديد أكبر قابليّاته يؤدّي إلى انخفاض مستواه وهذه أول المراحل نحو الاحتراق، هذا الانخفاض يدلُّ على عدم تكيّف الرياضي مع الحمل التدريبي يفهم المدرب أو الرياضة لقلّة الثقافة أنه يتوجّب عليه زيادة التدريب ممّا يؤدّي إلى انخفاض أكبر فيشعر الرياضي أن لا جدوى من التدريب أي برمجة عقليّة سلبيّة تؤدّي إلى إحباط.
ومع الاستمرار تؤدّي إلى الانهيار النفسي، وهنا تتجسّد العلاقة بين التدريب الزائد الاحتراق النفسي حيث يشعر الرياضي أن لا جدوى من الاستمرار في هذه الممارسة التي تؤدّي إلى الفشل المستمرّ، وعليه فإن الرياضي يفكّر بالانسحاب وهذا الانسحاب إما أن يكون كُليًّا أي يترك الرياضة نهائيًّا أو جزئيًّا فهو في هذه الحالة يبقى في رياضته مُجبرًا لأسباب عدّة أهمّها ماليّة أو مُجبرًا، أو يتحوّل لممارسة رياضة أخرى.
أما أهم الأسباب فتتحدّد في : ضغوط التدريب الكبيرة، وضغوط مطالب المؤسّسات الرياضيّة والأهل والجمهور، وضغوط الجمهور والإعلام، وضعف العلاقة مع المدرب، وضغوط الحياة المختلفة ومتطلّباتها، وأخيرًا تعدّد الواجبات المُضافة إلى التدريب والمنافسة.
هذه الظاهرة بمسبّباتها لا تتحدّد باللاعب فقط، وإنما يشرك فيها المدرب والإداري الرياضي أيضًا.
وتشير المواقف إلى أن مدرّبًا أميركيًّا ترك التدريب وهو في قمّة نتائجهِ وعندما سأل عن السبب قال أنني مللتُ العمل لمدّة أكثر من 10 ساعات يوميًّا وقرّرتُ ترك عملي وإن راضيًا عن قراري!
وكذلك “أشلي بارتي” بطلة التنس التي ملّتْ التدريب لساعات طويلة ومطالبة الجميع بالنتائج والفوز المستمرّ، وإن التفرّغ لحياتها هو الأفضل لها، ونحن نسأل هنا سؤالا مهما: كم مدرب أو لاعب في بلدنا يعمل بعدد الساعات التي يعمل فيها مدربو ولاعبو العالم من ذوي النتائج العالية؟ وهل نمتلك الثقافة الرياضيّة التي تجعلنا نفهم أسباب انخفاض المستوى وعدم التكيّف بشكل علمي وموضوعي يجعلنا نعيد تقييم التدريب وتوجيهه بالاتجاه الصحيح، فنبتعد عن ظاهرة الاحتراق النفسي، ونقترب من تحقيق الإنجازات الرياضية.
*متخصّص في علمي (النفس والتدريب) الرياضي