– منتخبنا يستعيدُ أسلوبهُ التأريخي بالقوّة والطول
– نفّذ العراقُ أُسلوبًا دفاعيًّا مميّزًا غير مُعتاد
– أحمد يحيى أعادَ لنا قُدراتِ الظهيرِ الفذّةِ
– توقيتُ الهدفِ الثاني منحَ كاساس فرصة التخطيط
– مواجهات تايلند وإندونيسيا وفيتنام وكوريا خدَمتْ الأسود
– كشفتْ مباراةُ “التعليميّةِ” اختلافًا واضحًا بين أيمن وميمي!
كتب: د. كاظم العبادي
تألقٌ لافتٌ لمنتخب العراق في كأس آسيا قطر 2023 أبهر النظارة على المستوى المحلي والعربي والدولي، لم يتوقع الكثيرون أن يفوز العراق على منتخب اليابان 2-1 في ملعب المدينة التعليميّة هذا الفريق العنيد الذي تطور كثيرًا وأصبح أحّد الفرق المُميّزة في العالم.
لم تعكس أرقام نسبة حيازة منتخب اليابان على الكرة والتي كانت ٦٩٪ بالشوط الأول و٧٧٪ بالشوط الثاني وبمعدّل عام بلغ ٧٣٪ سيطرته على المباراة، فقد كان بلا تأثير كبير وأبتعد عن صُنع فرص حقيقيّة إلا في الدقائق العشر الأخيرة حيث فرض أسلوبه لأوّل مرّة في المباراة ومارس الضغط المكثّف على الفريق العراقي مثلما يتقنهُ.
ولم يتمكن منتخب اليابان من إخطار المرمى العراقي حتى دقيقة 17 وركّز أغلب هجماته في الشوط الأول على الطرف الأيسر للمنتخب العراقي والتي أغلقها الدفاع العراقي ومنع من فتح ثغرات واختراق من خلال هجمات توصله لمنطقة الجزاء إلا فيما ندر!
دفاعٌ غير معتاد
نفّذ العراق أسلوب دفاعي مميّز غير مُعتاد، لم نشاهدهُ كثيرًا إلا في عهد المُدرّبَيْن: داني ماكلنن مباراة واحدة ضد تونس في بطولة فلسطين الثالثة 1975 وبورا في كأس العالم للقارات 2009 وكاتانيتش خلال فترة تدريبه للعراق.
اختلف أسلوب الدفاع العراقي ما بين الشوطين، ففي الشوط الأوّل أتبع أسلوب ما بين الدفاع المُنخفض والعالي ( أسلوب دفاع متوسط ) وفي الشوط الثاني أتبع الأسلوب المُنخفض بالتكدّس حول منطقة الجزاء – بحيث اشرك كاساس جميع ما موجود عنده من مدافعين في قائمة الفريق خلال هذه المباراة باستثناء آلن محي الدين الذي جلس على المدرّجات، ولو كان بيده لاضطرّ حتى استدعاء سمير كاظم وماهر حبيب وجبار هاشم وصادق سعدون للدفاع مع فريقه!
مع التقدير لعلي عدنان، لكن عندما لعب العراق بمدافعين صريحين في منطقة قلب الدفاع بوجود سعد ناطق وريبين سولاقا تحسّن أداء الدفاع العراقي كثيرًا مُقارنة بأداءه في مباراة إندونيسيا.
دور كاساس
أشرتُ لأكثر من مرّة إلى تشابه دور كاساس مع دور المدرب الاسكتلندي داني ماكلنن الذي قاد العراق في منتصف السبعينيّات من القرن الماضي، كذلك وبعد 48 سنة على قيادة الأول منتخب العراق في بطولة كأس الخليج الرابعة 1976 في الدوحة، والذي اختار لاعبين يمتازون بالقوّة والطول الجسماني، وهي الميزة التي عُرف فيها الفريق العراقي خلال الفترة الزمنيّة السبعينيّة والثمانينيّة من القرن الماضي، وبعد أن انخفض المعدّل العام لطول لاعبي المنتخب العراقي والذي حصل خلال الفترة الزمنيّة التسعينيّة من القرن الماضي خلال فترة الحصار، أظهر كاساس فريق مُعدّل أطواله عالية حاله حال ماكلنن، باستثناء لاعب واحد واحد هو يوسف الأمين في التشكيل الأساس الذي ابتدأ فيه المباراة. أساهم ارتفاع معدّل طول لاعبي الفريق في التنمُّر على لاعبي اليابان، واضطرّ مدربه للدفع بمدافع ارسنال تاكيهيرو توماسيو. وهو طويل القامة للتقليل من شأن العراق.
أكثر من مرّة قلت أن مركزي الظهيرين الأيسر والأيمن بمن فيهم الأساسيين والاحتياط هي خاصيّة يتميّز بها منتخب العراق، وقد أثبت ذلك خلال خلال مباراتي إندونيسيا واليابان بدفاعهم القويّ وصعودهم المستمرّ وقيامهم بدور الأجنحة وإعطاء زخم هجومي مُضاعف ومساهمتهم بتمرير تلك الكرة القاتلة التي يُسجّل منها هدفًا، وإذا كانت الجهة اليمنى هي الفعّالة في مباراة إندونيسيا بتزويد حسين علي كرة إلى أيمن حسين ليسجّل منها الهدف الثالث، وفي مباراة اليابان ردّت الجهة اليسرى (حسين علي بتزويد علي جاسم وأحمد يحيى العبادي) كرتين سجّل منها أيمن حسين هدفا العراق الذي استغل طوله لتسجيل الهدف الأول في حين أظهر أنه لاعب جسور حاله حال ميمي في منطقة الجزاء.
قدرات الظهير
ومن حسنات مباراة اليابان أنها أظهرت قدرات فنيّة فذّة افتقدها العراق وهي قيام الظهير أحمد يحيى بدخول منطقة جزاء اليابان وهو أمر لم نشاهدهُ مع لاعبين مماثلين كثيرًا إلا مع مجبل فرطوس وحيدر محمود ولاعبين آخرين قلّة (في مركز الظهير).
توقيت الهدفين الأول في الدقيقة 5 من الشوط الأول والثاني في الدقيقة 5 من الوقت بدل الضائع من الشوط الأول، ساهم الأول في إعطاء ثقة للاعبي العراق للاتجاه نحو الفوز وعدم الخشية من إخطار المرمى الياباني.
وكان توقيت الهدف الثاني مناسب جدًّا للمدرب كاساس ليخطّط بشكل أفضل لخطط الشوط الثاني.
في تصفيات كأس العالم الماضية 2022 كنا نعاني هجوميًّا بعدم تسجيل الأهداف، لم يعد هذا الأمر مشكلة حاليًّا، فالفريق العراقي الحالي سجّل ( 5 ) أهداف في أول مباراتين، وهو أمر لم يحدث في مشاركاته السابقة بنفس البطولة.
في الدقيقة (57) حدثت حالتا شكّ بأنهما ركلتي جزاء الأولى للعراق والأخرى لليابان، الحالتان مُمكن جدًّا أن يمنحهما بعض الحُكّام ركلة جزاء، والبعض الآخر لا يمنحها، التردّد في منح اليابان ركلة جزاء جاء بسبب عدم منح العراق ركلة مماثلة تقريبًا في الهجمة التي سبقت هجمة اليابان.
دخلت مباراة العراق واليابان التاريخ لأسباب مُختلفة، لكن التاريخ سيسجّل عنها أنها كانت واحدة ضمن أفضل 5 مباريات خاضها العراق في نهائيات كأس آسيا إلى جانب مباريات العراق وإيران (كأس آسيا 1996 العراق ضد منتخبات أستراليا وكوريا الجنوبية والسعودية في نهائيات كأس آسيا 2007 ومباراة العراق وأستراليا في كأس آسيا 2011.
استفاد كاساس من أمرين، أوّلهما نظام التبديلات (5 لاعبين) فقد استغلّه أفضل استغلال فقد استطاع تغيير نهج الفريق وخاصّة دفاعيًّا. وثانيهما، استفاد من (4) مباريات خاضها المنتخب العراقي ضد منتخبات شرق آسيا وهي تايلند، إندونيسيا، فيتنام، كوريا الجنوبية. هذه المباريات أعطت الفريق العراقي الثقة وعدم الخشية من مواجهة اليابان، واللعب معها بكلّ قوّة. أصبح للعراق الآن خبرة ضد منتخبات شرق آسيا، كنا نفتقدها.
أخطاء للتذكير
الفوز يخفي العيوب والأخطاء، لم تحدث أخطاء كثيرة، لكن هناك أخطاء قليلة أحتاج للتذكير بها حتى يتم تجاوزها مستقبلًا وقع فيها، أما لاعب أو مدرب ومنها:
– يتحمّل جلال حسن هدف اليابان.
– افتقد العراق للاعبين يمتلكون السرعة في نقل الكرات المرتدّة من ملعبه حتى المناطق الخطرة من ملعب المنافس في منطقة جزاءه خاصّة من قبل لاعبي المنتصف، وهذا أمر نعاني منه من فترة زمنيّة طويلة.
– إذا كان البعض يلوم كاساس على اشراك ميرخاس بدلًا من حسين علي، لا يهمّني السبب كثيرًا لأنه ممكن جدًّا أن يكون إما ارهاق أو اصابة أو أمر فني آخر، لكنني اعتقد أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه كاساس هو اشراكه ميمي كمهاجم بديل عن أيمن حسين.
– ميمي، ليس جاهزًا فنيًّا بعد لمباراة مثل اليابان وشاهدناه يعاني في مباراة كوريا الجنوبية، لذلك إشراكه كان خطأ.
– شاهدت أيضًا اختلاف واضح بينهما حيث كان أيمن حسين يرجع إلى الخلف للدفاع مع رفاقه في منتصف ساحة الفريق العراقي، في حين لم يتمكّن ميمي من فعل ذلك واكتفى بالوقوف في أماكن متقدّمة وعدم التراجع إلى الخلف بسبب لياقته، ما ولّد هذا الأمر ضغطًا سلبيًّا على دفاعات العراق وفرض الفريق الكوري نفسه هجوميًّا.
– سُرعة ميمي الحاليّة لم تكن مناسبة ضد فريق مثل اليابان يتميّز لاعبوه بالسرعة، كان ممكن إشراك الحمادي ميمي في مباراة فيتنام.
– لم تعد مباراة العراق وفيتنام قيمة مهمّة والتي تقام يوم الأربعاء القادم، ممكن للعراق الآن توفيرها لأنه تصدّر مجموعته من دون أي اعتبار بنتيجتها، ستكون فرصة سانحة لإراحة العديد من اللاعبين الأساسيين.
ينتظرنا عملٌ كبيرٌ
لا يعني الفوز أننا انجزنا مُقرَّر كرة القدم، ولم نبلغ مرحلة متقدّمة بعد، أنه فوز في مباراة، نحتاج أن نبني عليه، وأمامنا عملًا كبيرًا على مستوى إدارة اتحاد كرة القدم لتطوير جزئيّات كثيرة، وشغل كبير لتحضير المنتخب العراقي للتأهّل إلى نهائيّات كأس العالم 2026 ولا زلتُ عند رأيي أن المنتخب العراقي لم يأتِ للفوز بكأس آسيا، لكن الفريق الحالي أصبح أمله أفضل بتحقيق مركز متقدّم لأنه ابتعد عن لقاء كوريا الجنوبيّة في الدور الثاني.
نال كاساس أمس الجمعة ثقة العراق بشكل نهائي من دون أدنى شكّ بقدراتهِ كمدرب، وبات أمر استدعاء لاعبين وأسلوب الفريق بيدهِ لوحدهِ فهو الآن يقرّر ما يصلح للعراق من دون تدخّلات أو مُجاملات منه، وأصبح من الصعب جدًّا انتقاده على اختياراته!