على طاولة التقييم .. الكرة العراقية في عهد اتحاد درجال

 

كتب: رعد العراقي

الإجراءات التي ينتهجها الاتحاد العراقي لكرة القدم، وبتنسيق ودعم حكومي غير مسبوق من أجل التطوير والنهوض بالكرة العراقيّة يمكن أن تسجّل كعهدٍ جديدٍ وخطوة في غاية الأهميّة تسجّل في رصيد المكتب التنفيذي للاتحاد الذي يسعى جاهدًا إلى اللحاق بالعمل الاحترافي الصحيح بكُل تفاصيله أسوة بدول العالم المتقدّمة في كرة القدم.  

إلا أن لكُل عمل جديد حسابات وأسس وعوامل مساعدة ودراسات دقيقة لا تترك شاردة أو ورادة لكُل الإجراءات والتعليمات إلا ووضعتها تحت مجهر التحليل والتقييم من أجل العمل بها وتطبيقها  إن أثبتت نجاحها أو معالجة السلبيّات وتقويمها إن كانت فاشلة وتسبّبت في حدوث إرباك بكُل مراحل التطبيق.

عيون الرصد الصحفي الباحث عن المساهمة في أي عمل يخدم الكرة العراقيّة باعتباره جزء حيوي لمنظومة البناء والتطوير يحرص بتدوين كُل الملاحظات التي سجّلتها مجسّات الصحافة عبر المتابعة والبحث والتقاط المعلومة وتسجيل ردود الافعال وعرض ما يُعرقل مسيرة الكرة العراقية خلال المرحلة الحالية والتالية.

ماذا عمل الاتحاد؟

منذ استلام المكتب التنفيذي لاتحاد الكرة الحالي مهامه فإن اتجه نحو محاولة تغيير الصورة القاتمة التي التصقت بأغلب الاتحادات السابقة بعدم قدرتها على تغيير واقع الكرة العراقيّة وفشلها في الانفتاح على الخارج وإحداث نهضة حقيقيّة بكل مفاصل اللعبة، لذلك فإن أوّل خطوة أقدم عليها هو رفع شعار تغيير فلسفة الإدارة عبر الذهاب نحو اطلاق جملة متغيّرات تبدأ بمحاولة انتهاج أسلوب فني جديد والخروج من عباءة الأداء الإنكليزي بعد أن وقع الاختيار على المدرسة الإسبانيّة حيث سارع إلى التعاقد مع طاقم تدريبي إسباني متكامل لقيادة المنتخب الوطني ووضع هدفا له هو إعادة بناء المنتخب بدماء شابّة جديدة ومحاولة الوصول بهم إلى نهائيّات كأس العالم القادمة 2026 وهو الحُلم الذي انتظرته الجماهير العراقيّة طويلاً وتترقب في تحقيقه ولعلّ قرار الفيفا بزيادة مقاعد آسيا المؤهّلة لكأس العالم إلى 8 مقاعد ونصف المقعد سيمنح الاتحاد فرصة مهمّة للقبض على فرصة النجاح واستمالة الجماهير لتكون مؤيّدة وداعمة له في حالة تمكّن المنتخب من ضمان تأهّله.

والحقّ يقال أن نجاح الاتحاد في تأمين المعسكرات والمباريات واطلاق حريّة الاختيار للكادر الإسباني في استقطاب اللاعبين سواء المحلّيين أو المحترفين اسهم في وضع أسس جيّدة للمنتخب بدأ بقطف ثمار ذلك العمل من خلال حصد بطولة خليجي 25 التي كانت غائبة عن خزائن الاتحاد منذ مدة طويلة، وكذلك ضمان تأهّله إلى المرحلة الحاسمة من التصفيات المؤهّلة لكأس العالم وما قدّمه من أداءٍ كبير في نهائيّات كأس آسيا  2023 التي جرت في قطر كلّها إشارات على صحّة المسيرة وفأل خير لما هو قادم.

أما الخطوة المهمّة الثانية فهي اصراره على إقامة دوري المحترفين تحت مسمّى (دوري نجوم العراق) وبشراكة رسميّة مع رابطة دوري المحترفين الإسباني وتحت رعاية الحكومة حيث سعى إلى توفير مستلزمات نجاح الدوري من خلال توفير تقنيّة (Var)  وتحديد الملاعب المناسبة وإصدار جدول مباريات وتنظيم أمور النقل التلفزيوني وغيرها من الأمور المساعدة.

تلك الخطوتين يمكن اعتبارها العمود الفقري الذي حرص الاتحاد على إنجازها برغم كُل الظروف والمُعرقلات التي واجهت تطبيقها دون أن يهمل بقيّة الاستحقاقات الأخرى للمنتخبات العمريّة ونجح أيضًا في إضافة رصيد له عبر إنجازات منتخب الشباب بالحصول على المركز الثاني آسيويًّا وتأهّله لكأس العالم في الأرجنتين، وكذلك نجاح المنتخب الأولمبي في التأهّل إلى أولمبياد باريس 2024.

هل هناك اخفاق؟

إن استعراض النجاح المتحقق لا يلغي بالتأكيد وجود اخفاق وانتكاسات في منهاج الاتحاد في كُل المراحل تطبيق الخطوتين سالفة الذكر يمكن حصرها بالآتي:

* المنتخب الوطني

لم يسعَ الاتحاد إلى الزجِّ بخبير كروي عراقي مع الطاقم الإسباني لديه الاطلاع بكُلّ ما يتعلّق باللاعب العراقي من مستوى فني ونفسي يمكن أن يسهم في تذليل الكثير من المعوّقات والمشاكل التي يمكن أن تحدث بالمنتخب، إضافة إلى تبادل المشورة الفنيّة وتدوين كُل تفاصيل عمل الكادر الإسباني والخبرات المتوفرة لنقلها والإفادة منها في دورات للمدرّبين المحلّيين.
لا وجود للجنة فنيّة مُتخصّصة لمتابعة المنتخب وتدوين كُل الملاحظات لغرض مناقشتها مع الجهاز الفني طوال مراحل الإعداد أو المشاركات الخارجيّة.
اغفال وجود طبيب نفسي للمنتخب برغم أهميّته الكبيرة يسهم في الإعداد النفسي الصحيح للاعبين وخاصّة قبل أي مباراة.
غياب عنصر الاستقلاليّة للمنتخب وخاصّة عند المشاركة في البطولات، وهو ما سمح بانفلات وفوضى في مقرّ اقامته في الفنادق أو ساحات التدريب من خلال السماح لبعض الاشخاص سواء إعلاميين أو مشجّعين بالتواجد في مقرّات الإقامة أو بالاختلاط مع اللاعبين وما يتبعه من نشر وتصوير عبر وسائل التواصل الاجتماعي سبب في حدوث مشاكل كبيرة أثرت على عطاء المنتخب داخل الميدان.
ضبابيّة العلاقة بين الاتحاد والصحافة والإعلام الرياضي واستمرار التوتر في تلك العلاقة تسبّب في حدوث فجوة كبيرة بين الطرفين لم ينجح الاتحاد في وأد تلك الخلافات ممّا أثرت على عمله وجعلته يعمل تحت ضغط مستمرّ ومشتّت بين واجباته وبين التصدّي لنيران المخالفين له التي باتت ترصد أي هفوة مهما كانت بسيطة لتحويلها كقضيّة رأي ضدّه.
ضعف عمل المكتب الإعلامي الذي يفترض من واجبه التحرّك سريعًا لتوضيح بعض الأمور التي تطرح بالشارع والصحافة الرياضيّة لفكِّ الغموض والسيطرة على أي مشكلة قبل أن تتطوّر وتشغل الجميع.
العلاقة وكيفيّة التعامل مع اللاعبين المحترفين لازالت تمثل مُعضلة لم يجرِ الوقوف على كيفيّة حلّها الأمر الذي تسبّب في إحداث فوضى على مستوى المنتخب أو الإعلام والشارع الكروي.

* دوري المحترفين

تأخر انطلاق دوري المحترفين سبب في إرباك جدول المباريات وكثف من زخم المواجهات التي ارهقت الأندية وخاصّة عند تنقلها بين المحافظات دون الحصول على راحة إضافة إلى طول فترة الدوري الذي يستمرّ إلى الشهر السابع.
وجود 20 ناديًا ضمن الدوري وأغلبهم لا يمتلك مقوّمات الاستقلاليّة أو لديه ملعب خاص به يمثل ترهّلاً لا مبرّر له يفقد الدوري قوّته ويسلب منه المنافسة والفائدة المرجوّة، إضافة إلى تسبّبه في اطالة أمد الدوري.
عدم وجود ضوابط خاصّة بالتعاقد مع المحترفين بما يحقق الفائدة الفنيّة في تطوير الكرة، بل إن الموضوع عاد بالضرر إضافة إلى هدر بالأموال حين تسبّب ذلك في تقليص فرص اللاعب المحلّي الموهوب بعد أن اتجهت أغلب الأندية إلى الاستعانة بمحترفين لا يحققون الإضافة المرجوّة على حساب اللاعب المحلّي.
برغم وجود ملاعب جيّدة إلا أن غياب الإدامة والصيانة الدوريّة بشكل علمي ظهرت الكثير من تلك الملاعب بصورة سيّئة بعد فترة من انطلاق الدوري وتسبّبت في فقدان مُتعة المباريات وحدوث اصابات للاعبين.
تطبيق تقنيّة (Var) كانت أكثر السلبيّات التي تم تسجيلها وسبّبت الكثير من الانتقاد نتيجة تسرّع الاتحاد في اعتمادها برغم افتقاد الكوادر الخبيرة والمتمرّسة على استخدامها.
هناك إهمال في تطوير الطواقم التحكيميّة التي من المفترض أن يخضعون لدورات خارجيّة وداخليّة تمكّنهم من إدارة المباريات على أعلى مستوى.
غياب السيطرة الأمنيّة على الملاعب ومدرّجات المشجّعين وحدوث حالات اعتداء وتجاوز من المدرّجات سبّبت في خلافات وتعرّض الكوادر التحكيميّة واللاعبين إلى إيذاء جسدي ولفظي.
تكرار التجاوزات والاتهامات على الطواقم التحكيميّة من قبل اللاعبين والطواقم الإداريّة والفنيّة للأندية دون وجود ضوابط حاكمة تحدُّ من تلك التصرّفات وتضبط الانفعالات غير اللائقة وتفرض التزام الأندية بالسيطرة على كوادرها دون السماح بتلك التجاوزات المُسيئة.
أكثر ما يُفسد مُتعة المباريات ويُسيء للكرة العراقيّة هو عدم وجود رادع للاعبين ممّن تعوّدوا أسلوب الاعتراض على أي صفارة يُطلقها الحكم وبأسلوب غير مُهذب ممّا يسبّب في إثارة الجماهير ويُربك أجواء المباراة ويدفع الحكم إلى التوتر والانفعال وربّما ارتكاب الأخطاء إضافة إلى أن تلك الظاهرة بدت تتزايد دون أن يجد لها الاتحاد حلا لإيقافها وانتقالها إلى اللاعبين الشباب.
كثرة إقالة الكوادر التدريبيّة والتي أصبحت ظاهرة غير منطقيّة تؤثر على الإداء الفني وتظهر بدائيّة العمل للأندية وصحّة اختياراها للكوادر التدريبيّة التي أصبحت الضحية الأولى في حالة الاخفاق.
العقود المُبرمة بين الأندية واللاعبين والاستحقاقات الماليّة المُثبتة تسبّبت في حدوث خلافات وحقوق ضائعة لم نجد ضوابط ورقابة حقيقيّة تلزم الاطراف بما تمّ الاتفاق عليه وهي حالة يمكن أن تسيء للدوري ويصبح بيئة طاردة للمحترفين!

الحلول الدائمية

تلك النظرة السريعة على جانب من عمل الاتحاد الحالي، وما رافقه من نجاح واخفاق يتطلّب الوقوف عندها ومحاولة تصحيح الأخطاء المُسجّلة وفقاً لمنهاج عمل متكامل من خلال الحوار والمناقشة والاستماع للكفاءات واصحاب الخبرة وصولاً لحلول دائميّة تعزّز خطوات التطوير وتحقق الأهداف المرسومة وصولاً إلى الانتقال لمرحلة جديدة سواء بإدارة وإعداد المنتخب أو انطلاق دوري المحترفين للموسم القادم، وبخلافه فإن الاستمرار في منهج الترقيع وتجاهل التفاصيل الصغيرة يُضعِف من فرص النجاح ويُسبّب في هدر الجهد والمال ويُعيدنا إلى مربّع منهج العمل الفوضي والمتسرّع غير المُنتج.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

باريس تفتتح الأولمبياد بمسيرة نهريّة وإجراءات أمنيّة مشدَّدة!

  متابعة – فوزعدسة / قحطان سليم  احتفت العاصمة الفرنسيّة باريس أمس (الجمعة) بإيقاد شعلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *