صحافة آخر صيحة!

إياد الصالحي

مسايرون.. تابعون.. ناطقون بأسماء غيرهم، كأنّهم ولِدوا في بلاط الصحافة بلا إرادة تدفعهم للسير في دروب الحرية والقول بما يؤمنون به.. فقدوا القُدرة على فكِّ قيود العبوديّة الظرفيّة لـ “وجهاء جُدُد” في الرياضة لم تعرِفهم سابقًا إذ ساقهم القدر أن يُمسِكوا بمقابض كراسيَّ مُتهرِّئة بفِعلِ صدماتِ النتائج الفاضِحة، وطابَ لهم الاستئثار بها كأنها مُمتلكاتُ موروثةٌ وليست وسائطَ خدميّة لعامّة الرياضيين يؤدّونها بتتابع أزمنة دوراتهم التشريعيّة، ووسط تقلّبات المواقع وغدرِ أصدقاء المصالح الذين لا عهدَ لهُم إلا لِمن يحميهم من السقوط!

شهد عام 2023 آخر صيحة للصحافة “الشريكة” في أزمات الرياضة و”الدخيلة” حينما يتعلّق الأمر بمنح الأخيرة حقوق الإنجاز والتميّز والريادة، مثلما ظّلت تجري وراء قانون المُنح لعشر سنوات بلا جدوى! أقول شهد العام استغلال عديد مسؤولي الرياضة ممّن عُرفوا بتطلُّعاتهم لبسط نفوذهم على مرافِأ سُفنها مع مجاميع منسجمة في الفكر والتصرُّف والأساس من صحفيين ومدوّني مواقع التواصل الاجتماعي، يُشكِّلون خلايا موحَّدة، مُجاهرة ومُستترة.. مُدافعة ومُهاجمة حين الطلب، تؤتمر بتوجيه المسؤول لغايات في نفسهِ غير آبهٍ لردات فعل عمله أو غباء سياسته المُريدة لإزاحة منافسين أو إبعاد الشُبهات عنه حينما يحوم حول موقعهِ اللغط والشكوك!

عاصرنا عهود بُناة الصحافة الرياضيّة العراقيّة مُذ كان كيانها يُسمّى
“رابطة” شُكِّلت من أسماءَ رصينةٍ ومُشرِّفةٍ وأمينةٍ على مبادئ المهنة وحريصة على تجسيد أخلاقيّاتها بين سطور الرأي والخبر والتحقيق والحوار، وحذِرة كُلّ الحذر إذا ما كان نقدها الصريح موجَّهًا الى موقع المُقصِّر في مؤسّسة رياضيّة لئلا يطالَ صاحِبَها، فللإنسان كرامته بين أهله ولا يمتلك الصحفي الحقّ أن يستهدفهُ شخصّيًا ويحوّل قلمهُ إلى حجارة يرميها مثل أي متهوّر على قارعة الطريق!

سلوكيّات صحفيّة مُندفعة في حماية هذا الاتحاد وتلك اللجنة وذاك النادي حقّاً أم باطلًا من دون مُراعاة التوصيف المهني والتزاماته – إن كان الصحفي مُعتمَدًا لدى نقابة الصحفيين العراقيين وخاضعًا لضوابط العمل فيها – فقد أخذت تشكّل تلك السلوكيات آراء مُضطربة بين الجمهور من أجل تمرير معلوماتٍ ليس مهمًّا أنها تمثل قناعات الصحفيين أنفسهم، بل من أجل ألا تخرج عن طاعة مسؤولهم الرياضي وما يضمرهُ تجاه حملاتهِ الإعلاميّة نحو خصومه أو حتى مؤيّديه استعدادًا لحملة انتخابيّة أو تهيئة مبرِّرات واهية للفشل المتوقّع قُبيل بدء دورة أولمبيّة أو تضييق الخناق على أعضاء جمعيّات عموميّة يرومون البحث عن حقائق الانفاق في الميزانيّات التي يُبدَّد الجزء الكبير منها رواتب ومكافآت المحيطين بالمسؤول نتيجة تضخُّم الملاكات بلا حدود وغياب التنظيم الموحّد لعناصر العمل الرياضي وفقًا لأقسام ووحدات وتخصّصات الموارد البشرية للكيان الواحد، برغم أن المؤسّسة الرياضيّة تمثّل إحدى منظّمات المُجتمع المدني، وتنالَ الدعم المالي من الحكومة حسب بياناتٍ غير خاضعة للتغيير كما يبدو!

أسوأ ما في تبعيّة الصحفي للمسؤول أنه حال مغادرة الأوّل للموقع ويفقد مصدر معيشته يبدأ بمهاجمة الثاني كأنها نهاية المطاف في حياته التي لم يعرف قيمتها إلا خانِعًا للمالِ ومُغريات السفر والتلاعب بالقلم ومخادعة الناس والهروب من مواجهة الحقيقة التي يفتقر إلى الشجاعة في الإشارة إليها!

هنا ينبغي على النقابة واتحاد الصحافة الرياضية، أن يكونَ لديهُما موقِفٌ حازِمٌ، ولا يركنا للصمت بحجّة استقلاليّة المؤسّسات في انتقاء مُنفّذي أعمالها، والصحيح أنها ليست مستقلّة في توظيف التخصُّص الصحفي لمصلحة اشخاص غير مُعتمدين يمارسون المهنة بلا ضوابط، ومنهم من يمتلك البطاقة الصحفية لكنّه في منأى عن المُحاسبة إذا ما هاجمَ بسوءٍ مُنتقدي مؤسَّستهِ بعباراتٍ لا تصلح للنشر من دون تشذيب وتهذيب.

كما لا أحّد يعي الحقيقة المُرَّة أن كلّ حرائق الرياضة تبدأ بجمرة تصريح صحفي انفعالي يفتقر إلى بُعد النظر لما يجري وراء أفق المشكلة الصغيرة، وسرعان ما تلتهم ألسنة النيران خنادقَ المناوئين في ما بينهُم لتصفية حسابات قديمة على طاولة مغنم كبير، وتستعدُّ فرق الدفاع الصحفي للاطاحةِ بنظرائها أملًا بثناءِ المُستفيدِ الأكبر، وطمعًا بفُتاتةٍ ساقطةٍ من طاولته..!

عزاؤنا كبيرٌ لرعيل الصحافة الرياضيّة بالأمس الذين ودّعناهم بفخرٍ لما تركوه من إرثٍ مهنيّ عظيم، ولا عتب للقاضمين على شفاههم اليوم تحسُّرًا لواقع اسهموا في كتابة مشهدهِ المُخجِل بقبولهم السكوت عنه والتوهُّم ببراءَتهم منه! 

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

من الباشا إلى السوداني.. من ينتفض للصحافة؟!

  إياد الصالحيلا أحّد يكترث، حتى حُرّاس المهنة من جيل المُخضرمين الذين لم يُغادر بعضهم …

تعليق واحد

  1. استاذ اياد الصالحي المحترم ..شخصيتك وقلمك امتداد لرعيل الصحافة الزواد …قلم ملتزم وناصح قبل النقد.. قدوة في السيرة والسلوك .. شجاع في توجيه الكلمة والملاحظات من اجل الارتقاء بالحركة الرياضية ادارة وممارسة ..لذا تستحق كل التقدير والتمنيات بالنجاح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *