تمرُّد المحترفين!

 

إياد الصالحي

أعجبني تصرّف مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم خيسوس كاساس بعدم استغلال لغة الاستياء وتصعيد الموقف – كما يفعلُ بعض المدرّبين – جرّاء اتخاذ اللاعب دانيلو السعيد قرار مغادرة البعثة في الدوحة إلى غير رجعة! وذلك على هامش مؤتمره الصحفي الذي يسبق مباراة الجولة الثانية مع منتخب اليابان اليوم الجمعة، وتعامل كاساس بالعقليّة الأوروبيّة التي تحترم قرار اللاعب مهما كانت أهميّته وحاجة الفريق له، وليس بتصريحات ثوريّة كالتي يُطلقها بعض المدرّبين عادة.

ولم يُعجبْني التكتُّمُ المُبالغُ فيه من قبل البعثةِ الرسميّةِ وعدم كشف الأسباب الحقيقيّة التي تدعو لاعبًا شابًّا مثل “السعيد” يغرقُ في حزنهِ ويشكو عدم صفاء ذهنهِ، وبالتالي يتعذّرُ عليهِ مواصلة اللعب للمنتخب في واحدة من أهمّ البطولات القاريّة التي تنتظرها كرتنا باعتبارها المحكَ المناسبَ لمعرفة موقعنا بين الفرق الآسيويّة العشرة الأولى!

ليست جديدة على منتخبنا أن تشهدَ بعض البطولات التي يشارك فيها حدوثَ مثل هذه التصرّفات الفرديّة التي تنمُّ عن الشرودِ الذهنيّ للاعب خارج المهمّة الوطنيّة كونها مسؤوليّةً أخلاقيّةً تقتضي الالتزام بها حتى الانتهاء من المشاركة، وسبق لياسر قاسم أن عانى من مضايقات كثيرة منها عمليّة تصويره في المسبح برفقة صديقتهِ عبر إحدى نوافذ الفندق، وهدَّد بالمغادرة وتمَّ اقناعهُ بالعدولِ عن قراره، لكنّه لم يلبِّ أية دعوة للمنتخب الوطني بعد الحادثةِ هذه!

وثمّة حكايةٌ أخرى مرَّ بها جستين ميرام وزميلهُ أحمد ياسين تتعلّق بكُلف تذاكرهما الباهظة ونوع تذكرة الحجز بين السياحيّة ورجال الأعمال، الأمر الذي أدّى إلى تقاطعات وحزازيّات وتفرقة داخل صفوف المنتخب ومناكفات ليست سهلة صَغَّرَت حلقة الانسجام بينهما وبين الاتحاد وأسفرت عن اختيارهما الابتعاد عن المنتخب نهائيًّا.

كل هذه الخروق يتحمّلها مجلس إدارة الاتحاد المسؤول الأوّل عن توفير الأجواء المناسبة والمستلزمات الكاملة لراحة اللاعبين بما تمكّنهم من خدمة بلدهم بلا شعور بالاحباط أو الملل حدّ العزوف عن التدريب والتحضير مع اللاعبين لخوض المباريات.

نعم هكذا تكون مسؤوليّة رئيس الاتحاد ومشرف المنتخب ومدرّبه في تفقّد كل عناصر البعثة ومحاولة الاطمئنان على أوضاعهم بشكل دقيق لعلّ في سكوت البعض عن البوحِ والمصارحةِ في عزلة مع النفس ثورة مكبوتة تنفجر مع أي احتكاكٍ بسيط أو تمرّد أو مزاج حاد!

أما المنسّق الإعلامي للمنتخب يفترض به ألا يلتزم الصمت، بل يُصدر توضيحًا في تصريح فوري بشأن أي مشكلة، وعدم تركها للتأويل أو الانتشار على منصّات الأخبار الكاذبة!

لا ننسى أن هذه أوّل بطولة قاريّة لنا في التجمّع لفترة طويلة والعدد الكبير للمُنتخبات المشاركة في ظلّ وجود نصف لاعبي البعثة يقيمون خارج الوطن، ويلعبون لأندية مُحترفة ويتمتّعون بتقاليد حياتيّة مُختلفة عن بقيّة العناصر المقيمين في العراق، وهذا لا يعني أننا نغمزُ في قناة التمايُز الطبقي، بل نُذكِّر كُلّ المعنيين من أجهزة إداريّة وفنيّة في بعثة المنتخب أن عليهم التعامل بحذرٍ مع بعض اللاعبين المحترفين، والتقرّب إليهم، ومُراعاة ظروفهم النفسيّة إلى الحدِّ الذي يحفظُ مكانة المنتخب وشرف تمثيل العراق واحترام القميص الوطني، أما من لا يضع أي قيمة لهذه العناوين سواء من اللاعبين المحترفين أم المحلّيين فلا نتشرّف بتمثيلهِ بلدنا ونطالب إدارة البعثة بطرده مهما كان المدرب يعوّل عليه في خضمِّ المنافسة المُشتعلة مع فرق المجموعة أو في الأدوار المتقدّمة.

حظّاً سعيدًا للأسود في لقاء الساموراي اليوم الذي لن يكون بُعبعًا مثل سابق عهده، وبالإمكان تهدئة النفوس وتوحيد الصفوف والتكاتف من أجل هزيمة اليابان ومواصلة السير بلا مشكلات فهناك ملايين العراقيين يترقّبون بشائر الفوز فلا تخذلوهم.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

من الباشا إلى السوداني.. من ينتفض للصحافة؟!

  إياد الصالحيلا أحّد يكترث، حتى حُرّاس المهنة من جيل المُخضرمين الذين لم يُغادر بعضهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *