هجوميا.. نفّذ “أسود الرافدين” الأسلوب التقليدي التأريخي الإنكليزي
تنمَّر منتخبنا على شرق آسيا واستغلّ قصر قامة لاعبيها أفضل استغلال!!
نقطة ضعف المنتخب الوطني: عدم تطوير الهجمات!!
(الحلقة الثانية)
كتب: د. كاظم العبادي
بعد أن أعطيت رأيي في الحلقة السابقة (الأولى) عن إمكانيّات العراق الدفاعيّة بما فيها الإيجابيّات والسلبيّات، سأركّز اليوم على تحليل الإمكانيّات الهجوميّة للفريق العراقي خلال مشاركته في نهائيات كأس آسيا 2023.
تمهيد إحصائي:
كانت نسبة تسجيل منتخب العراق من أهدافه في كأس آسيا الأخيرة هدفين ونصف في كُلّ مباراة وهذا مؤشّر طيب حيث سجّل العراق على الإقل هدفين في المباريات الأربع التي خاضها وهذا الأمر يُبشّر بخير.
– (%70) من أهداف الفريق العراقي سُجّلت من قبل لاعب في مركز قلب الهجوم.
– (%60) من الأهداف سُجّلت من خلال كرات رأسيّة، أما من كرات تأتي من ركلات الزاوية أو تأتي أو تُرفع من الاطراف “الظهيرين” الأيمن والأيسر أو الجناح الأيسر علي جاسم.
– (%30) من نسبة أهداف الفريق العراقي سُجّلت من كرات ثابتة.
– (%20) من الأهداف سُجّلت من قبل لاعبي قلب الدفاع سعد ناطق وريبين سولاقة.
– فقط (%10) من الأهداف سُجّلت من قبل بقيّة اللاعبين في مراكز مختلفة ليست في مركزي قلبي الدفاع والهجوم وهو مؤشّر سلبي خطير!
– شخصيًّا وإحصائيًّا، أعتبر أن “علي جاسم” هو صاحب أفضل رصيد عراقي مموّل للمهاجمين أو المُدافعين لتسجيل الأهداف، من كراته التي مرّرها لهُم بشكل مباشر أو غير مباشر.
– إذا كان أيمن حسين قد سجّل (%60) من أهداف العراق فإن أيمن حسين صنع 50٪ من أهداف العراق في كأس آسيا 2023 (3) منها أسيست بشكل مباشر، و2 منها بشكل غير مباشر- ترتد كرته المُرسلة من حارس مرمى أو مدافع، يُسجّل منها أسامة رشيد (هدف) وأيمن حسين (هدف) في هذه البطولة.
مراجعة ملف أهداف العراق في كأس آسيا 2023:
أهداف العراق في مرمى إندونيسيا:
1. أوّل أهداف الفريق العراقي في كأس آسيا جاء عن طريق المهاجم ميمي، أسلوب تسجيل هذا الهدف فيه أمرين إيجابيين، الأوّل جاء بمناولة طويلة دقيقة من الظهير الأيسر ميرخاس إلى ميمي، وثانيهما، استغلّ فيه مهارته وقدرته في الاقتحام من دون تردّد، ثم التسديد القويّ الدقيق وتسجيل الهدف بجهد فردي رائع في الاختراق.
2. كان الطرف الأيسر في أوّل مباريات العراق في كأس آسيا فعّالًا للغاية، ليأتي تسجيل الهدف الثاني الذي يُحسب للطرف العراقي، الأيسر، لكن بشكل مختلف هذه المرّة، إثر اختراق علي جاسم وتسديد كرة قويّة ارتدّت من الحارس ليرميها أسامة رشيد في الشباك بسهولة (نصف أسيست لعلي جاسم).
3. لم يكن المحور العراقي الأيمن “نائمًا” بل كان فعّالٌ، فقد زوّد الظهير الأيمن “حسين علي” كرة طويلة لأيمن حسين الذي سيطر عليها برشاقة من دون تدخّل من مدافعي إندونيسيا، بفضل طوله وقوّته وأودعها المرمى.
أهداف العراق في مرمى اليابان:
4. )نصف أسيست) آخر من علي جاسم، مختلف بعض الشيء عن هدف العراق الثاني في مرمى إندونيسيا حيث يحوّل كرة عرضيّة داخل منطقة الست ياردات يُبعدها الحارس الياباني ليُسجّل منها أيمن حسين برأسه هدف العراق.
5. بعد ميرخاس وعلي جاسم، جاء دور أحمد يحيى العبادي، من المحور الأيسر ليصنع الهدف الثاني (أسيست واضح) للعراق أمام اليابان، الشيء المُلفت للنظر في هذا الهدف هو قدرة العبادي القدوم من المناطق الخلفيّة لدفاع العراق وقطع مسافة طويلة ثم اختراق منطقة الجزاء (وهي ظاهرة قلّما فعلها ظهير عراقي) ليمرّر كرة إلى أيمن حسين الذي سجّل هدف آخر برأسه.
أهداف العراق في مرمى فيتنام:
6. أوّل أسيست حقيقي لعلي جاسم في البطولة وأوّل هدف للعراق من كرة ثابتة أثر ضربة ركنية، يسجّل العراق هدفهُ الأوّل في مرمى فيتنام بواسطة الركلة الركنيّة التي نفّذها بنجاح علي جاسم إلى رأس قلب الدفاع العراقي ريبين سولاقة متنمّرًا على دفاع فيتنام ويودعها المرمى بنجاح.
7. سجّل علي جاسم “الأسيست” الشخصي الثاني له في المباراة والبطولة، بعد تحويله لكرة من أطراف منطقة الجزاء إلى رأس أيمن حسين الذي يتنمّر هو الآخر على دفاع فيتنام لتستقرّ كرته الرأسيّة في المرمى.
8. وضعت يدي على قلبي، عندما تقدّم أيمن حسين لتنفيذ ركلة الجزاء الثانية التي مُنحت للعراق في مباراة فيتنام، كنتُ أخشى من أن ينزل مدرب العراق كاساس إلى ارضيّة الملعب ليمنع أيمن حسين من التسديد. منح الفريق العراقي في المباراة ركلتي جزاء إثر فاصل استعراضي في المهارات قدّمه الجناح الأيمن يوسف الأمين حصل العراق بسبب مهارته الجميلة على ركلتي جزاء (اضطرّ مدافعو فيتنام من عرقلتهِ لإيقاف اقتحام دفاعاتهم). أضاع أيمن الأولى وسجّل من الثانية (كان من المُمكن أن تُسجّل الدوحة ثانية تصرُّفًا مماثلًا للمدرب بتروفيتش الذي قاد العراق في كأس العرب 2021 ودخل الملعب مُسرعًا ليوقف اندفاع أايمن حسين لتسديد ركلة جزاء مُعادة) ظهر كاساس هنا أكثر حكمة من بتروفيتش!
– من الصدف أن يُسجّل المنتخب العراقي في (4) مباريات هدفٌ في آخر دقيقة أو الوقت بدل الضائع في مرمى فيتنام. وكانت:
– تصفيات كأس العالم 2018 على أرضها (يونس محمود، ركلة جزاء).
– كأس آسيا 2019 (علي عدنان من ركلة حرة).
– تصفيات كأس العالم 2026 على أرضها (ميمي، ضربة رأسيّة).
– كأس آسيا 2023 (أيمن حسين، ركلة جزاء).
أهداف العراق في مباراة الأردن :
9. في مباراة العراق والأردن، قام العراق بإعادة عرض سيناريو تسجيل العراق هدفه الأوّل في مرمى فيتنام (السادس له في البطولة) شاهدتُ نسخة مُماثلة، حيث يتولّى علي جاسم تنفيذ ركنيّة إلى منطقة الجزاء يرتقي لها هذه المرّة سعد ناطق بدلًا من ريبين سولاقة ليسجّل منها هدفه الشخصي الأوّل في البطولة (من الصدف أن يكون أيضًا الهدف العراقي الأوّل في هذه المباراة).
10. بعد أن كان للاعب ميرخاس دوسكي دور (أسيست) في هدف العراق الأوّل في كأس آسيا 2023 كتب له أن يكون له دور في (نصف أسيست) في آخر أهداف العراق في البطولة حيث كانت تسبّبت الكرة التي رفعها من الجانب الأيسر (لا على التعيين) في تسجيل العراق هدفه الثاني وترتدّ من الدفاع الأردني ليسجّل منها أيمن حسين هدفه الشخصي السادس في البطولة.
مصطلح أسيست
للتنويه فقط : مصطلح (نصف أسيست) غير مستخدم، اضطررتُ لاستخدامه لسببٍ رئيسي. واجهتُ مشاكل كثيرة في معظم أجهزة التحليل التي تعرّفتُ عليها والتي تستخدم في تحليل مباريات كرة القدم، حيث تسجّل هذه البرامج تمريرة ميرخاس كرة ضائعة مفقودة بالخطأ من اللاعب (تسجّلها إحصائيّا كمؤشّر سلبي) لكن بنظرة فنيّة وشخصيّة فإنني أراها عمل إيجابي لأنها بالنهاية تسبّبت في تسجيل هدف (هذا جزء من معاناتي مع برامج التحليل والإحصاء. نصيحة للمحلّلين أن يتدارك المحلّل مثل هذه الأمور، وعدم الاعتماد بشكل كامل على هذه البرامج. لذلك أطلقتُ عليها مصطلح (نصف أسيست).
ملخّص الأهداف العراقيّة:
– عبر اختراقات لجهود فرديّة، نفّذها علي جاسم، ميمي، يوسف الأمين، العبادي.
– كرات طويلة، مرّرت من ميرخاس دوسكي، حسين علي، علي جاسم، العبادي.
– كرات ثابتة (3) إثنان منها إثر ضربات زوايا نفّذت بطريقة مُماثلة من قبل علي جاسم، وانتهت بالشباك عن طريق قلبي الدفاع وواحدة من ركلة جزاء.
من وحي هذه الحقائق.. ماذا يعني هذا التحليل للمتلقّي؟
– افتقد المنتخب العراقي القدرة على تنظيم نفسه هجوميًّا من المناطق الدفاعيّة الخلفيّة ( لم يستفد الفريق من نسبة الحيازة على الكرة في الخلف) مرورًا بخطّ الوسط وحتى الهجوم. لم نشاهد هجمات منظّمة كثيرة أو اختراقات فيها تبادل كرات أو شغل جماعي إلا ما في ندر!
– معظم الهجمات التي فرضها المنتخب العراقي خلال المباريات الأربع كانت تأتي أما من كرات طويلة معظمها من الجانبين الأيمن والأيسر وقليل منها من منتصف الملعب أو اختراقات فرديّة خاصّة من قبل اللاعبين علي جاسم وكذلك يوسف الأمين.
– بسبب إعطاء لاعبي المنتصف أمير العماري أو من معه سواء كان سامر رشيد أو بطرس أو علي أحمد أدوار دفاعيّة بحتة، لم يُسهم هؤلاء إلى جانب كُل من اللاعبين في مركز رقم 10 إن كان بايش أو زيدان بالضغط الأمامي المُرتفع على دفاعات الفرق الأربع المنافسة.
– من النقاط السلبيّة التي تسجّل على الهجوم العراقي في كأس آسيا 2023 كانت عدم مساهمة لاعبي الوسط أو الأجنحة أو اللاعب في مركز رقم 10 في تسجيل الأهداف. حيث أن تسعة من الأهداف العشرة التي سجّلها العراق في كأس آسيا جاءت أما عن طريق المهاجمين خاصّة أيمن له ستة أهداف وميمي له هدف، إضافة إلى قلبي الدفاع (هدفين) هدف واحد فقط سجّل من قبل اللاعبين حول مركز قلب الهجوم، تم عن طريق اللاعب أسامة رشيد وهذا أمر فنّي يحتاج إلى مُراجعة.
وماذا بعد؟
إذا ما أراد كاساس أن يطوّر الفريق العراقي بشكل ملموس وأفضل، عليه أن يهتمّ بالجانب الهجومي أكثر حيث يحتاج إلى وحدات تدريبيّة خاصّة يتم فيها تنظيم الشغل الهجومي الجماعي بمشاركة الظهيرين ولاعبي الوسط الأربعة، بما فيهم الأجنحة، إضافة المهاجمين في المركز رقمي 9 أو 10 من خلال تنسيق مستمرّ مخطّط ومُبرمج بحيث تصبح للفريق قدرة على إجراء اختراقات من المنتصف أو الجانبين أو التسجيل من خارج منطقة الجزاء، هذا كلّه لم نشاهده مع المنتخب العراقي خلال كأس آسيا وربّما حتى قبل كأس آسيا، خلال السنة الأخيرة من مرحلة إعداد المنتخب العراقي تصفيات كأس العالم.
ذهب المنتخب العراقي إلى كأس آسيا بثلاثة مهاجمين، وكان يفترض أن يضمّ الفريق أربعة مهاجمين وليس ثلاثة. الآن يحتاج الفريق إلى مهاجم رابع إلى جانب ميمي وأيمن والحمادي. أبدع أيمن حسين بشكل واضح في البطولة، لكن ميمي ظهر بشكل متواضع برغم تسجيل هدف، لكن واضح جدًّا أن اللياقة البدنيّة غير كاملة أو غير جاهزة حاليًّا، لكنّني أجهل من اختفاء الحمادي كليًّا في كأس آسيا لأسباب صعب تفسيرها! كنتُ أتوقّع أن يكون له دور كبير وأفضل في هذه البطولة، لكن هناك شيء ما أبعدهُ من إظهار إمكانيّاته التي يُقدّمها مع فريقه الإنكليزي.
عدم كفاية المهاجمين
اتصوّر أن عدد المهاجمين غير كافٍ حاليًّا، ويحتاج الفريق إلى معرفة الخلل لتحضير الحمادي وميمي بشكل أفضل مستقبلًا.
مثلما ما أشرت إلى أهميّة تطوير الهجمات من الخلف حتى المناطق الأماميّة لاختراق الدفاعات المُقابلة، يحتاج الفريق العراقي إلى مساهمة أكبر من قبل لاعبي المنتصف بالتواجد إلى جانب المهاجمين بالضغط المُبكّر أو الأمامي على دفاعات الخصم.
بعكس المنتخب الأردني الذي تميّز في أغلب مبارياته في تسجيل الأهداف من خارج منطقة الجزاء شارك به معظم مهاجميه، للأسف الشديد لم يفعل المنتخب العراقي هذا الأمر في كأس آسيا. اللاعب أمير العماري الوحيد من اللاعبين العراقيين الذي يمتلك القدرة على التسجيل من خارج منطقة الجزاء بشكل مستمر، فوجوده في المركز رقم 8 هو الحلّ، حتى ترتفع أو تظهر إمكانيّاته في التسجيل.
الجري بسرعة عالية
من السلبيّات التي تُسجَّل على المنتخب العراقي الحالي، أن الفريق لا يمتلك لاعبًا واحدًا يتمتّع بقدرات الجري بسرعة عالية! معظم اللاعبين تعتبر سرعتهم أمّا متوسّطة وإما إلى أقل من المتوسّط عند البعض خاصّة كبار السنّ! وهذا الأمر أثّر كثيرًا على إمكانيّة صنع هجمات مرتدّة تنتجُ عن هدفٍ أو خطورةٍ.