عمل الكادر التدريبي الإسباني بدأ بأملٍ كبيرٍ ولم يكتمل بعد!
خاطبنا كاساس في مستهل مهمّته أن يُعيدَ الهيبة للأسود
بعد سنة ونصف أخفق في اكتشاف حارس شاب جديد
ودّعنا كأس آسيا لعدم قدرتنا على بناء الهجمات من الخلف!
معظم عمل المدرب ركّز على أداء لاعبي الأطراف
وسط المنتخب لم يفرض الحصار والدفاع العالي على المنافس
افتقدنا التكتيك في تطوير الهجمات وصناعة الأهداف المُباغتة!
منذ فترة الحصار حصل تراجع في أطوال اللاعبين بشكل غريب!
تغيير اللاعبين المستمرّ وراء الخُطط الهجوميّة والدفاعيّة الهشّة
الحلقة (الرابعة)
كتب: د.كاظم العبادي
تمهيد
كنت قد وجّهت رسالة إلى المدرب خوسيس كاساس عند استلامه مهمّة تدريب منتخب العراق، كان الغرض منها تذكيرهُ بمهامّهِ وحجم تطلّعات العراق لمنتخب كرة القدم، والتحدّيات التي سيواجهها خلال عمله، هذا نصّها:
زاد اهتمام العراقيين بكَ مُنذ أصبحتَ مدرّبًا لمنتخبنا، ازددتَ شهرةً وصرتَ أحّد أهم مواضيع النقاش في جلسات العراقيين، إذ يتساءلون: هل يمكن أن يجلبَ كاساس خيرًا للمنتخب أم أن كرتنا العراقية ستفشل معه ونقول لا حول ولا قوّة إلا بالله؟.
أنت في العراق، هل تعرف معنى أن تكونَ في العراق بين أهل الكرم والشهامة؟ هل تدركَ إنك الآن ستكونَ الضيف المدلّل لكُلّ عراقي؟ هل تحسَّ بقيمة أن يكون موضعكَ القلب في العراق؟
إنك يا كاساس في نعيم الآن لأنك الأمل، نعم أنت أمل كُل عراقي عاشق لكرة القدم أن تكون على يديك النقلة الكُبرى للمنتخب نقلة الصعود إلى القمّة.
نعم، أهلنا في العراق يستبشرون بكَ كي تُعيدَ لمنتخبنا العراقي هيبته ومكانته كما يستحقّ. كُل ما في الأمر يا كاساس أن تكونَ قويٌّ بما يكفي حتى تستطيع التغلّب على العوائق، وذكيٌّ بما يكفي أيضًا حتى ترسمَ الخُطط، وأن تكون ذو بصيرة ثاقبة كي تضعَ يدكَ على نقاط القوّة والضعف لدى المنتخب كي تنتهزَ قوّته وتُعالج ضعفه. ثم تذهب بهِ إلى الملاعب ثابت الخُطى بقوّة ليرفع رأس العراقيين ويسعدهم بالنصر في ملاعب الكرة العالميّة.
هل أنتَ لها يا كاساس؟
هذه كلمات رسالتي إلى كاساس بعد تكليفه رسميًّا في مهمّة تدريب المنتخب العراقي، وبعد أكثر من سنة من عملهِ في بناء منتخب جديد للعراق مهمّته الأولى التأهّل لنهائيّات كـأس العالم 2026، هل كان كاساس أهلًا لهذه المهمّة وقادرًا على التحدّي الذي كلّفهُ العراق به؟
السطور أعلاه قدّمتها هنا لكي تكون بوّابة تقييم أداء الكادر الإسباني لمنتخب العراق من خلال استعراض إيجابيّاتهِ وسلبيّاتهِ خلال فترة عملهِ وحتى انتهاء كأس آسيا 2023 عبر عرض مجموعة من الحقائق. لنقرأ:
إبداع أم إخفاق!
بعد سنة ونصف من العمل مع المنتخب العراقي لم يكتشف كاساس عن حارس جديد وبقي على الأسماء المعروفة وهُم الحراس جلال حسن وفهد طالب وأحمد باسل، وهناك احتمال استدعاء الحارس محمد حميد.
كان كاساس يحتاج إضافة حارس شاب جديد يُهيَّأ للمُستقبل، فمن مهامّه صنع منتخب جديد للعراق، لم يقم بذلك، واكتفى بالاسماء المعروفة. والملاحظة الأخرى أنه لم يطوّر من امكانيّات حُراس المرمى، لم يضف لهم أي جديد خاصّة العمل بالقدمين وتمرير الكُرات إلى المدافعين و…إلخ، وتحديد من أمر بإرسال الكُرات الطائشة إلى مسافات بعيدة، يتم فيها التخلّص من الكرة لعدم القدرة على بناء هجمات من الخلف، والتي كَلّفت منتخب العراق الخروج من كأس آسيا (هدف الأردن الثالث، مثالًا).
وجوده في بغداد أثمر عن اكتشاف بضعة لاعبين جُدد أوّلهم علي جاسم وثانيهم أحمد العبادي وثالثهم مصطفى سعدون ورابعهم زيد تحسين. “مُصطلح” إنه جاء ليبني منتخب جديد للعراق، لم يلتزم به لأنه أخفق في اكتشاف حارس شاب جديد مثل (حسن عباس) أو هدّاف جديد مثل (سالم أحمد) أو لاعب وسط مدافع مثل (كرار محمد وسومر الماجد وزيد اسماعيل) لاعبين مثل أحمد فرحان وحمود مشعان، لم يضمّهم في برنامج عمله، بل اكتفى بالموجودين، وأخفق في تقييم أداء بعض اللاعبين السلبي غير المُنتجين ولم ينتبه إلى أخطائهم إلا متأخّرًا !
اختيار بشار وعلي
شكّكتُ كثيرًا بقدراته التحليليّة، برغم أنه كان مُحلل معروف في إسبانيا، وبقدرات مُحلّليه العاملين، لسبب واضح أن بعض اختياراته من لاعبين لم تتمّ وفقًا لتحليل أو إحصاء أو أرقام. وأن اختياره لبشار رسن وعلي عدنان لم يستند إلى “عِلْم” لا يوجد سبب واحد مُقنع عن اختيارهم لتمثيل منتخب العراق إلا إذا كان الأمر مُجاملة أو فرض!
وشكّكتُ أيضًا من جنسيّة كاساس الإسبانيّة لسببٍ مختلفٍ، يبدو لي أنه لم ينتبه إلى ما يفعلهُ غوارديولا مع مانشستر سيتي أو ارتيتا مع ارسنال في التعامل مع الظهيرين.
يمتلك العراق الآن مجموعة رائعة من اللاعبين الذين ممكن أن يمثلوه في مركزي الظهير الأيمن والأيسر، لكنّه ركّز في اختيار لاعبين لهم أسلوب مشابه، لم يعطهم تعليمات إضافيّة طوال فترة عمله في تنفيذ واجبات إضافية، أصرّ على بقاء اللاعب في مركز الظهير، وأن البقاء إلى جانب الخطّ (على الطرف) منعه من الدخول إلى الملعب ليكون لاعبًا محورًا أو لاعب وسط، كما يفعل مانشستر سيتي وارسنال، بما يُسمّى الظهير المقلوب (Inverted full backs) المدافع الظهير يعمل بشكل أساس بالدفاع على الأجنحة وعلى الأطراف وينجرف أحيانًا إلى وسط الملعب لتوفير خيارات تمرير إضافيّة، ومزيدٍ من السيطرة على خطّ الوسط، ولمساعدة الفريق على الاحتفاظ بالكرة بشكل أفضل، ولم يكن هناك إبداع منه.
قوة الفريق
الحقيقة تقال في معظم مراحل عمل كاساس، اعتمد بشكل كبير على مهارات اللاعبين الفرديّة أو أداء لاعبي الأطراف بما فيهم الظهيرين والجناحين وهي قوّة الفريق العراقي حاليًّا.
هل يحمل كاساس جينات برشلونة الإسبانيّة؟! أشكُّ أيضًا في ذلك!! لأنه أهمل منطقة المنتصف كليًّا، منطقة فيها خمول واضح، منطقة ليس فيها إبداع، لا تدافع بشراسة ولا تلتهمُ هجمات الخصم وتوقفها عن حدّها بقتلها في مهدها قبل أن تتحوّل لهجماتٍ خطرة على الفريق.
كذلك فإن منطقة منتصف الوسط العراقي (المركزين 6 و8) ليست قادرة على خلق الفرص وتسجيل الأهداف والتجاوب مع لاعبي الاطراف والأجنحة والمهاجمين في اجتياز الحواجز الدفاعيّة للخصوم، وهي ليست مستعدّة بفرض الحصار والدفاع العالي على الخصم. لم أرَ أي دور للاعب وسط عراقي في المُنتصف يُشابه دوره أو عمله أدوار أنيستا أو تشافي أو فابريغاس!!
العمل الأكبر الذي يفترض أن يعتني به كاساس خلال المرحلة القادمة هي إعادة بناء هذه المنطقة التي تحتاج إلى لاعب مهاري يرسل تلك الكرة الذكيّة ليُسجَّل منها الهدف، يحتاج إلى هادي أحمد جديد أو نشأت أكرم آخر، أرى أنه يملك لاعب مهم مثل ألكسندر أوراها لم يستخدمه في هذه المهمّة ناهيك عن ذلك عليه أن يبحث عن لاعب قاتل ” Killer” لهجمات الخصم، لاعب شرس لا يرحم المنافس، حاليًّا لا نمتلك لاعب بمثل هذه المواصفات.
فشل المدرب في أمرين
نال كاساس حُبّ الجمهور العراقي لأنه هو أوّل من أطلق دعوة أكبر عدد من اللاعبين العراقيين المُغتربين من دون فرض “كوتا” تحديد عددهم، لكنّه فشل في أمرين:
أولهما، فشل في صنع تجانس بينهم مع لاعبي المنتخب الآخرين، ونجح مع الظهيرين بتأقلمهم بسرعة، وكذلك تأقلم الجناح يوسف الأمين وبعض الشيء زيدان إقبال ودانيلو، لكنّه فشل مع الحمادي ومنتظر الماجد.
وثانيهما، لم يفسّر اتهامات العراقيين له بقاعدة (6/5)، أغلبيّة بسيطة للاعبين المحلّيين وليس للأفضل، لم يُفسّر مدى صحّة هذا الاستفسار!
نتائج كاساس الباهرة
حقيقة واضحة، إن قوّة كاساس تظهر أمام الفرق الكبيرة، فمثلًا أنه حقّق نتائج باهرة أمام كُلّ من:
– تعادل مع كولومبيا سلبيًّا.
– خسر من كولومبيا بهدفٍ من دون مقابل.
– خسر من روسيا على أرضها بهدفين للاشيء.
– فاز على اليابان بهدفين مقابل هدف.
باختصار شديد، كاساس يعرف كيف يدافع أمام الكبار، لكن يعاني أمام منتخبات أخرى مثلًا:
– سمح لكُل من الهند وتايلند بالتسجيل (هدفين لكُل منهما) في كأس ملك تايلند.
– سمح للأردن أن تسجّل (5) أهداف في مباراتين (بطولة الأردن الدوليّة الوديّة، وكأس آسيا).
– سمح لإندونيسيا وفيتنام أن تسجّل (الأولى هدف والثانية هدفين) في مرماه في كأس آسيا.
– تحوير مراكز اللاعبين، ظاهرة جديدة على المنتخب العراقي، فرضها كاساس:
– أمير العماري، تحوّل من لاعب وسط مهاجم إلى لاعب وسط مدافع.
– إبراهيم بايش، مثّل العراق في مراكز الجناح الأيسر والجناح الأيسر والمركز رقم (10).
– اللاعب فرانس بطرس، ظهير أيمن، قلب دفاع، لاعب وسط مدافع.
– ميرخاس دوسكي، ظهير أيسر وأحيانًا أخرى ظهير أيمن.
– علي عدنان، من ظهير أيسر إلى قلب دفاع، تحت نظريّة “مالديني“.
– برغم وفرة اللاعبين العراقيين محليًّا واغترابًا، فشل بوجود لاعبين اثنين في كُل مركز بنفس المهارة والقوّة. فمثلا في مركز قلب الدفاع برغم اعمارهما العالية إلا أنه لا بديل عن كُل من ريبين سولاقا وسعد ناطق (حاليًا لا نمتلك بُدلاء عنهما).
– إعاد العراق إلى الأسلوب التأريخي التقليدي الإنكليزي، والذي تخلّى عنه الإنكليز منذ وقت طويل، وهي رفع الكُرات من قبل الظهيرين أو الأجنحة إلى قلب الهجوم.
– على الرغم من أن كاساس استدعى أكثر من (50) لاعبًا إلا أنه لم يستدع لاعبًا واحدًا يمتلك خاصيّة “السُرعة”.
الأسلوب التكتيكي
– افتقد العراق الأسلوب التكتيكي في تطوير الهجمة والصناعة الأهداف المُباغتة وخاصّة في الثلث الأخير من الملعب – في أرض المنافس. المرّة الوحيدة التي شاهدتُ فيها الفريق العراقي يؤدّي هجمة مُنظّمة يتم فيه اختراق دفاعات المنافس عبر تمرير كُرات بين لاعبيه، كانت هذه الهجمة هي آخر هجمة للعراق في كأس آسيا أمام الأردن عندما مُرِّرَت الكُرة بذكاء بين ثلاثة من لاعبيه، برغم إضاعتها، لكنّها كانت هجمة اختراق مُنظّمة.
– عدم قدرة المنتخب العراقي على تنفيذ الهجمات المُرتدّة، وخاصّة من منطقة منتصف الملعب، اكتفى المنتخب العراقي في تنفيذ هجمات مُرتدّة عن طريق الأطراف فقط، في محاولات خجولة، لم يستفد الفريق العراقي خلال ضغط المنافس عليه أو من خلال ركلات ركنيّة تُنفّذ ضدّه في نقل الكرة إلى المناطق الأماميّة للمنافس بسرعة هائلة لتسجيل هدف وهو أمر فنّي سلبي يحتاج كاساس للانتباه اليه.
فلسفة ماكلنن
– فرض المدرب الأسكتلندي داني ماكلنن الذي تسلّم مهمّة تدريب منتخب العراق منتصف السبعينيّات من القرن الماضي فلسفتهِ التي تتلخّص باعتمادهِ على مبادئ أساسيّة في اختياره للاعبين وهي :الطول والقوّة، فاختار رعد حمودي وصباح عبد الجليل وحساني علوان وعلي حسين وعلي بطوش وعادل خضير، لهذه الأسباب، ودمج معها مبدأ السُرعة باختياره لاعب قصير القامة هو أحمد صبحي.
ارتفع مُعدّل أطوال لاعبي المنتخب العراقي بشكل ملحوظ خلال الفترة الزمنيّة لعملهِ، بمعدّل قد يُقارب أكثر من متر واحد و80 سَنتِمِتر، واستمرّ هذا الحال حتى أواخر الثمانينيّات من القرن الماضي بظهور الثلاثي حبيب جعفر وليث حسين وسعد قيس.
بدءًا من فترة الحصار “التسعينيّات” وما بعدها، لمسنا حصول تراجعًا في أطوال اللاعبين عن السابق بشكل غريب! وكنت أوّل من قام بملاحظة ذلك ونشرتُ هذه الحقيقة في كتابي “كرة القدم العراقيّة انتصارات أم انتكاسات” والذي نشر عام 2010 في تحليل خاص كان عنوانه “منتخب العراق يذوب”! حذرت فيه من انخفاض معدّل أطوال لاعبي المنتخب العراقي!
– أعاد كاساس فلسفة مُماثلة مع اختلافات جوهريّة من فلسفة ماكلنن حيث اعتمد فلسفة وجود لاعبين يمتلكون عامل الطول، لكن فريقه افتقد إلى وجود لاعبين يمتلكون السرعة والقوّة حاول كاساس تعويضها بوجود لاعبين يمتلكون المهارة مثل علي جاسم ويوسف الأمين وزيدان وغيرهم بعكس ماكلنن الذي استبعد وقتها جليل حنون ورياض نوري، الذين كانوا يمتلكون مهارة فائقة.
– أظهر كاساس المنتخب العراقي المشارك في كأس آسيا، في مباراة اليابان (9) لاعبين أطوالهم عالية (حوالي فوق المتر و80 سَنتِمِتر) باستثناء علي جاسم ويوسف الأمين وهذا شيء مُلفت للنظر، ومهم للعودة إلى الأسس التي وضعها داني ماكلنن والتي تمخّضت عن بناء منتخب قوي ظهرت نتائجه وتلألأت قوّته في الثمانينيّات من القرن الماضي.
ملخص الكلام:
– أسّسنا منتخبًا جديدًا، والبناء لم يكتمل بعد، فالعمل مستمرّ، الأطراف فقط تم تجهيزها بإعادة بناءها واستقرارها.
– مراكز عديدة تحتاج إلى إعادة بناء من جديد.
– الخطط الهجوميّة والدفاعيّة هشّة بسبب عدم استقرار الفريق بتغييره المستمرّ للاعبين أو افتقاد التجانس أو افتقار الخطط الهجوميّة والدفاعيّة. وشاهدتُ اسماء اللاعبين تتغيّر بطولة بعد بطولة وستتغيّر في مباريات تصفيات كأس العالم!!
– الاعتماد على المهارة والكرات الطويلة العالية في تسجيل الأهداف.
– الاعتماد في نقل الملاحظات داخل الملعب عبر كاساس فقط، فلا يتكلّم اللاعبون فيما بينهم كثيرًا أثناء المباريات.