كتب: الدكتور حسين الربيعي
سلّط الاعلام الرياضي الأضواء على جُملة من البطولات الرياضيّة التي تجري أحداثها في المنطقة في بداية عام 2024، ولعلّ من أبرزها النسخة 18 لبطولة كأس آسيا 2023 بكرة القدم التي جرت وقائعها في قطر، وبالتوازي معها البطولة 34 لكأس الأمم الإفريقية 2023 بكرة القدم في ساحل العاج (كوت ديفوار) وتمتلك شبكة قنوات “بي إن سبورتس” القطريّة الحقوق الحصريّة حيث بثّت أحداث ومباريات البطولتين الزاحفتين زمنيًّا من 2023 إلى 2024.
لا شكّ أن سوء التخطيط وزحمة الاستحقاقات الأخرى وعدم التنسيق بين الاتحادات القاريّة وضُعفها وغياب دور الفيفا في هذه المناطق الجغرافيّة، أجبرت الاتحادين الإفريقي والآسيوي لإزاحة بطولات عام 2023 إلى العام الحالي 2024 وفي نفس الفترة الزمنيّة التي شهدت أيضًا استحقاقًا كرويًّا عالميًّا آخر في السعودية وهو كأس السوبر الإسباني المتكوّن من ثلاث مباريات من مستوى عالمي رفيع كانت قد جرت جدولته (زمنيًّا) بناءً على توقيتات مسابقات الاتحادين الأوروبي والإسباني، وإن الناقل الحصري في المنطقة لهذا الحدث المُهمّ هو مجموعة قنوات SSC السعوديّة.
كما لا يُخفى على المهتمّين أن بطولة آسيا الـ21 لكرة اليد للرجال التي أقيمت في البحرين وبطولة أمم أفريقيا 26 لكرة اليد للرجال التي نظّمتها مصر وفقًا لتوقيتات وجداول مثبّتة من وقت طويل وقد استقطبتا اهتمامًا نوعيًّا آخر خصوصًا للدول التي تنشدُ المشاركة في نهائيّات كأس العالم لكرة اليد، وهي تقريبًا نفس الدول التي تنافست في كأس آسيا وكأس إفريقيا لكرة القدم.
ناهيك عن مسابقات دوليّة ومحليّة أخرى جرت في نفس الفترة هنا وهناك في مسابقات ومهرجانات مختلفة في الفروسيّة وغيرها، فكيف سمح المهتمّون والمنظّمون والمسؤولون وقادة الرياضة أن تزحف أهم مسابقات لكرة القدم في المنطقة لتستحوذ على نوافذ الوقت المخصّص لأحداث رياضيّة أخرى كانت قد تمّت جدولتها مُسبقًا في المنطقة وسرقت كُلّ الأضواء التي تسهم في إعلاء شأن الرياضات الأخرى والمساعدة على انتشارها؟
من المسؤول عن هذا التخبّط الذي تقوده (عنجهيّة) إدارات كرة القدم بحق المجتمع وبحقّ الرياضات الأخرى في المنطقة؟
يقف المُتتبّع والمُتأمِّل العاقِل حائرًا إزاء هذه الظاهرة الخطيرة! وللوهلة الأولى، يظنُّ البعض أن الأمر لا يتعدّى عن كونه صراع بين المُضاربين في الأموال التي تدور في عجلة الرياضة من خلال الاستحواذ على أعلى قدر مُمكن من وقت البثّ التلفازي لنقل هذه الأحداث وتأثرها الطبيعي بالمُراهنات على النتائج، وصراع مؤسّسات النقل التلفازي الذي عادة ما يكون مدفوعًا برغبة الدول في الاستحواذ على أعلى قدر ممكن من الأضواء لتسويق مشاريعها الاجتماعيّة وتأثيرها الإقليمي والدولي!
لكن .. الحقيقة المُرّة سهلة وواضحة ولا تتعدّى عن كونها (عنجهيّة كرة القدم) ويمكن وصف هذه العنجهيّة بالمثال الخيالي التالي: تأمّل أن ذراعًا ضخمًا بحجم جسم الإنسان تمتدُّ لرقعة شطرنج مساحتها 20سم X20سم لتحرّك بيدق من مكانهِ الى مكان آخر، فإن كُلّ قطع الشطرنج ستسقط وتتهاوى ولن يبقى سوى البيدق وحيدًا، هذه هي الحقيقة للأسف.
ممّا لاريبَ فيه أن وزارات الشباب والرياضة واللجان الأولمبيّة الوطنيّة مسؤولة عن جدولة الأحداث الرياضيّة المُختلفة على المستوى الوطني، وإن الاتحادات الرياضيّة الوطنيّة مسؤولة عن جدولة منافسات رياضة معيّنة ومثلها الاتحادات واللجان الأولمبيّة القاريّة والدوليّة وهذا الأمر يحتاج الى تنسيقٍ عالٍ ولجان مُشتركة إذ لم يعد التنسيق البدائي كالذي خلّف لنا إقامة كأس العالم لكرة القدم بالتتابع مع الأولمبياد كُل عامين كافيًا لإدارة صراعات واحتكار المال والأضواء لأن من لا يتمكّن من انتاجهما سيسرقهما من الآخرين (اتحدّث عن المال والأضواء).
والأكثر مرارة هو أن تأكل الدول طعم هذه العنجهيّة ولا تتصدّى لها أاو على الأقل التخفيف من آثارها!
لاحظنا بوضوح كيف سَرَقتْ كرة القدم الأضواء من كرة اليد عندما تم تنظيم البطولات الآسيويّة والإفريقيّة في نافذة زمنيّة واحدة؟ ولاحظنا كيف أكلت المؤسّسات (وزارات وهيئات رياضة ولجان أولمبيّة) التي تُدار بالمال العام، طعم (عنجهيّة إدارات كرة القدم)؟ فمن المسؤول عن كُل ذلك؟ ومن يُنسِّق مع مَنْ؟
وقبل أن أختتم أود أن أَبرِّئ كُرة القدم هذه اللعبة المحبوبة لي وللكثير من القرّاء في كُلّ أرجاء المعمورة، لكن إداراتها العنجهيّة ستحوّلها من شغف عالمي جميل يسهم في التفاهم والسلام العالمي بين مختلف الثقافات عبر الحدود والأوقات الى صناعة احتكاريّة تعبث بالزمن وبمقدّرات الشعوب.
هذه دعوة للوزارات واللجان الأولمبيّة في المنطقة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات بالتنسيق في تنظيم الأحداث الرياضيّة، وكذلك دعوة للنظر عبر النوافذ الزمنيّة المُتاحة لتنظيم البطولات والأحداث بأنها الأغلى ثمنًا والأهم من كُلّ العوامل الأخرى التي تسهم في تنظيم ونجاح المناسبات والفعّاليات الرياضيّة.
احداث يوم امس الثلاثاء كانت اوضح دليل على ما جاء في المقال اعلاه… افتتاح بطولة اسيا بالقوس والسهم في بغداد ومباراة الكلاسيكو بين الزوراء والجوية في بغداد ومباراة الكهرباء والعهد اللبناني في البصرة ضمن تصفيات كاس الاتحاد الاسيوي لكرة القدم ومشاركة منتخبنا لكرة السلة ببطولة لبنان الودية…. سرقت مباراة الزوراء والجوية كل الاضواء…..