“الصحافة والرياضة” يَسْموانِ فوق مُنحةِ الحكومة

 

إياد الصالحي

من حقِّ الزُملاء “روّاد الصحافة الرياضيّة” في العراق أن يسخطوا لِما أفادت به مصادر موثوقة عن رفض لجنة خبراء مؤلّفة من تسعة أشخاص شمول “الصحفي الرياضي” بمُنحة الروّاد التي قرّرها رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني قبل عام ونيّف من وفاتهِ، وتحديدًا في الخامس والعشرين من شباط عام 2013، بناء على تصويت مجلس النواب حينهُ.

والمفارقة في الأمر، أن الأسباب الموجبة التي وردت في خاتمة مواد القانون رقم 6 للسنة نفسها عَزَتْ تشريعهُ “تثمين جهود الرياضيين الأبطال والروّاد الذين رفعوا اسم العراق عاليًا في المحافل الدوليّة، ورفع الحيف عنهم، وتحفيزهُم على تقديم إنجازات من شأنها أن ترتقي بمكانة وسُمعة العراق الرياضيّة إلى مصاف الدول المتقدّمة” بينما نسيَ المُشرِّع أنَّ من أسهم في رفع اسم العراق وحفز الرياضي ذاته على تحقيق الإنجاز هو “الصحفي” الذي وقع عليه الحيف في قانون التثمين أمام مرآى مَنْ كتبهُ وصوَّتَ لهُ وصادقَ على تشريعهِ!

خمسة وزراء للرياضة تعاقبوا على تولّي المسؤوليّة منذ عام 2013، كُلّهم تعهّدوا للصحفي الرياضي (الرائد) بإنصافهِ وإعادة حقه كونه شريكًا أصيلًا في صناعة الإنجاز، وعُنصرًا أساسًا مثل المدرب واللاعب والحكم والإداري والطبيب تجمعهم المهام الوطنيّة في قائمة الدفاع عن سُمعة العراق بلا مُزايدة أو مُفاضلة بين أي عنصر مهما كان نوع الواجب المُناط بكُلّ واحدٍ منهم.

لسنا في وارد استعراض دور الصحافة الرياضيّة عبر تأريخها الطويل ومدى تأثيرها في حركة الرياضة العراقيّة فهذا وحدهُ انبرى لهُ أبناء المهنة وما أكثرهم رزموا صفحاتها في كُتبٍ متنوّعةٍ أنجزوا منها العشرات منذ ستينيّات القرن الماضي إلى الآن، تمثل (وعاء الحضارة وحافظة التأريخ) كما وصفها المؤرّخ الرياضي الدكتور ضياء المنشئ، وهي تحاكي مآثر حملة القلم في رحلات وفود الرياضة ومواكبتهم نتائج الأبطال في أعمالهم الشاقة اليوميّة والمخاطر التي تعرّضوا لها عبر التهديد بمطارق القضاء جرّاء انتقاداتهم الجريئة، وتصحيحهم المفاهيمَ الخاطئةَ، ومواجهتهم المقصّرين والفاسدين بأدلّةٍ جليّةٍ كشفت سوء استغلال المواقع، وضياع المواهب، وخسارة فرص ثمينة في منافسات خارجيّة أضرَّت بمكانة العراق “رياضيًّا” بين أقرانه في المنطقة والقارّة!

لمن فاتهُ تتبّعَ أبرز ما في ملف استحقاق الصحفي الرياضي العراقي مُنحَة الحكومة التي شملت أبطال وروّاد الرياضة (لاعب، مدرب وحكم) فقط، نُذكّره بثلاث نقاط للتأريخ، أوّلاً:

أن الرائد الصحفي الرياضي د.علي عبدالزهرة الهاشمي، أوّل من نبّه وزارة الشباب والرياضة وبقيّة الجهات المعنيّة وأسرة الصحافة الرياضيّة عبر مقال نشرتهُ صحيفة المدى تحت زاوية (رأيك وأنت حُر) في عددها 3076 الصادر يوم الأحد 11 أيار عام 2014 نوجز خلاصته “حان الوقت لتلتفتَ الجهات المسؤولة عن الحركة الرياضيّة في العراق إلى شمول رجال الصحافة والإعلام الرياضي بمنحةِ الرياضيين الروّاد لأنهم بذلوا قصارى جهودهم وخبراتهم في خدمة الرياضة، واختطّ الشيبُ رؤوسهم، وحاصرتهم ظروف الحياة الصعبة” مؤكّدًا أن “الرياضة والإعلام وجهان لعملة واحدة لا يمكن فصلهما أبدًا”!

وثانيًا: تشكيل الاتحاد العراقي للصحافة الرياضية “لجنة إعداد قوائم المشمولين بمنحةِ روّاد الصحافة الرياضيّة” قام رئيس الاتحاد خالد جاسم بتسليمها إلى الرئيس السابق للجنة الشباب والرياضة البرلمانيّة عباس عليوي يوم الأحد 12 أيار 2019، ولم يصدر عن الأخير أي إجراء باستثناء وعود مكرّرة في لقاءات تلفازيّة أملًا بإضافة اسماء الصحفيين في ملحق روّاد الرياضة حال تمرير تعديل القانون، ولم يُعدَّل حتى خطف وباء كورونا اللعين في العام التالي عديد العاملين في الصحافة ما زاد من محنة أغلب الأسر التي ظلّت بلا مورد مادي يعينها على مقاومة غلاء المعيشة!

وثالثًا: عقدت لجنة كتابة مسودّة قانون الرياضة الموحّد يوم الإثنين، السابع عشر من تموز 2023، في دار ضيافة مجلس الوزراء، ورشة عمل مع عدد من رجالات الصحافة والإعلام، بحضور رئيس اللجنة مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون الشباب والرياضة الدكتور إياد بنيان، وناقش ممثلو الصحافة والإعلام وهم الدكتور عدنان لفتة ومحمد خلف وحسين سلمان وجمعة الثامر وعماد الركابي ومصطفى العبطان ومصطفى إياد، وحسين جبار حربي “المختص في شؤون الأنظمة واللوائح الرياضيّة” وكاتب السطور، ناقشوا مواد مسودّة القانون التي طمحت من خلالها اللجنة إلى إنهاء حالة التشظّي والاختلاف بين مواد القوانين الرياضيّة الحاليّة ومحاولة جمعها في سلّة واحدة وفقًا للأطر القانونيّة والإداريّة من أجل تطوير الواقع الرياضي، وركّز المجتمعون على مناقشة فقرات قانون الرياضيين الأبطال والروّاد الواردة في المسودّة لما لهذه الفقرات من أهميّة كُبرى لشريحة واسعة من الرياضيين في مختلف تصنيفاتهم لا سيّما رجال الإعلام ممّن رافقوا المنتخبات الوطنيّة في بعثات رسميّة، واقترح المجتمعون شمول من بلغ عمره 45 عامًا فما فوق بمنحة الروّاد أسوة بالرياضيين لكونهم شُركاء أساسيين في أي نجاح رياضي.

هذه الوقائع الثلاث المُتسلسلة بالأزمنة والمُرتبطة بمقترح استحقاق الصحفيين الرياضيين مُنحة الحكومة لا يمكن أغفالها، وعلى لجنة الخبراء التسعة قراءة التأريخ جيّدًا، فالصحافة الرياضيّة رأت النور قبل 26 عامًا من انبثاق أوّل لجنة أولمبيّة وطنيّة “أعلى هيئة رياضيّة غير حكوميّة تُدير الحركة الأولمبيّة في العراق” عام 1948، وكان الصحفي عبدالرزاق نعمان عضوًا رئيسًا لأوّل بعثة رسميّة لها شاركت في أولمبياد لندن بعد أسابيع قليلة من أعتراف الأولمبيّة الدوليّة بها، ومن السذاجة فصل الصحافة عن الرياضة في الحقوق وهي منصهرةٌ في واجباتها، بل يبقى مصير الرياضي البطل مجهولًا أمام الناس إذا ما غاب الصحفي أو غيّب أو استبدل تحت أي ظرف ما يعني لا قيمة للمُنجز من دون شهادة أو توثيق بالكلمة والصورة.

إن مجلس إدارة نقابة الصحفيين العراقيين، الذي سيُكمل نصف دورته الثانية والعشرين في الخامس عشر من نيسان المُقبل مُطالبٌ بحماية حقوق المنتمين لفئة (الصحافة الرياضيّة) الذين لا يزيد عدد روّادها عن المئة صحفي، وأن لا يكتفي ببيان اتحاد الصحافة الصادر في الأوّل من آذار الجاري، بالرغم من أهمّيته مهنيًّا وإنسانيًّا ومناشدتهِ رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني بالتدخّل لإنصاف الإعلام الرياضي، بل ليتقدّم النقيب في مواجهة السلطة التنفيذيّة ومجلس شورى الدولة ومجلس النواب لاسترداد الحقّ في واحدة من أهم مسؤوليّاته متسلّحًا بملفٍّ تحت اليد يُدحِض به مُبرِّرات الغافلين عن العلاقة المصيريّة بين الصحافة والرياضة السامية فوق منافع المُنحة ومكارم الحكومة.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

من الباشا إلى السوداني.. من ينتفض للصحافة؟!

  إياد الصالحيلا أحّد يكترث، حتى حُرّاس المهنة من جيل المُخضرمين الذين لم يُغادر بعضهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *