الأولمبي ينتصر أخلاقيًّا

 

رعد العراقي

بعد رحلة شاقة وعصيبة تخلّلتها مطبّات كادت أن تغيّر مسار طائرة المنتخب الأولمبي نحو العودة إلى بغداد دون الحصول على إذن التوجّه نحو باريس، شدَّ أبطالنا حزام العزيمة والإصرار واجتازوا بشجاعة مطبّ إندونيسيا الصعب حين خطفوا الفوز وقطعوا تذكرة التواجد مع كبار العالم في الأولمبياد القادم كإنجاز يُسجّل للمرّة السادسة للكرة العراقية في المحفل الأولمبي العالمي.

الانتصار جاء بعد مخاض عسير عطفاً على الأداء الكبير الذي قدّمه المنتخب الإندونيسي المُتخم بسبعة لاعبين من الخطّ الأول وحاول فيه تسجيل مفاجأة بعد سلسلة من النتائج المُذهلة التي أطاح بها بمنتخبات عريقة كأستراليا والأردن وكوريا الجنوبية قبل أن يُحرج منتخب أوزبكستان في دور نصف النهائي وتقدّم بهدف ألغاه (Var) وتعرّض بعده إلى حالة طرد أحّد لاعبيه وخسر اللقاء بصعوبة!

المهمّة انتهت، ونجح منتخبنا الأولمبي مرّتين، الأولى حين اقتنص بطاقة التأهّل، والثانية ربّما هي أعمق وأكثر أثرًا في نفوس الجماهير حين تعامل لاعبينا الشباب بخلقٍ عالٍ وانضباطٍ رائع وروح رياضيّة مع مجريات المباراة وطريقة التعامل مع المنافس سواء أثناء المباراة أو عند صفارة الحكم.

مَشاهِد سجّلتها كُل القنوات الإعلاميّة لأسلوب التعاطي مع اللحظات الصعبة أو حالات الاحتكاك العنيف، فكانت لقطة “زيد تحسين” حينما احتضن اللاعب الإندونيسي بعد اصطدام الكرة به كتعبير عن خلقٍ عالٍ وانضباط نفسي يؤكّد التحضير الجيّد والتوجيه بفرض السيطرة وعدم التهوّر والابتعاد عن التصرّفات السلبيّة والتركيز على المباراة.

أما أجمل مشهد بعد نهاية المباراة هو توجه اللاعب “علي جاسم” نحو لاعبي المنتخب الإندونيسي الذين افترشوا الأرض حُزنا على خسارتهم، وقام بمواساتهم وأيضًا احتضانهم في لقطة إنسانيّة عميقة المعنى كانت محطّ اهتمام الإعلام الإندونيسي الذي أشاد كثيرًا بالروح الرياضيّة للاعبي منتخبنا الأولمبي.

ولم يتوقف هدّاف البطولة عند تلك اللحظات فقط، بل عبّر عن حُزنه أثناء المؤتمر الصحفي على المنتخب الإندونيسي لعدم تأهّله وتمنى لو أن المنتخبات الأربعة التي وصلت نصف النهائي تأهلت جميعًا للنهائيات! وهي بادرة تدلُّ على ثقافة اللاعب وإدراكه العالي لمعنى الظهور ونقل الصورة الحضاريّة للاعب العراقي.

نقول .. لتكن نتائج تلك المباراة من تحدٍّ وإصرارٍ على الانتصار وارتقاء بالخلق والتصرّف أثناء المباراة وما بعدها هي ركيزة ومنهج لكُلّ منتخباتنا الوطنيّة للابتعاد عن مظاهر التعصّب والتهوّر والدخول في مناكفات ونزاعات مع لاعبي المنتخبات الأخرى قد تسيء إلى الكرة العراقيّة وتبتعد بالفريق عن ميزة التركيز والاتزان داخل الميدان.. انتصارنا الحقيقي بسموِّ أخلاقنا أوّلاً.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

عهد بعثة فلسطين الأولمبيّة

  أسامة فلفل* وجع الغربة والفراق والبُعد عن الأحبّة والإخوّة والرفاق والأهل والعشيرة ورفاق الدرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *