ادخار كاساس.. آخر الذرائع!

 

إياد الصالحي

تنافس شخصي بعيد عن المهنيّة، دأب عليه بعض المحلّلين الرياضيين الذين يتكرَّر ظهورهم في بعض البرامج الرياضيّة اليومية ممَّن نعرف بعضهم عدم إلمامهم بمحاذير انعدام التخصّص الفني أو الإعلامي، يتنافسون على طرح بعض الملاحظات غير المنطقيّة المتأثرة غالبًا بمشاعر الحُب والبُغض، والأخير يرتبط مباشرة باضطرابات نفسيّة للشخص المُتحدّث، رغبة منه في كسب ودِّ الجماهير الموالية أو المناوئة لمحور النقاش!

الشائع اليوم في الوسط الكروي العراقي انقسام المتابعين لشؤون المنتخب الوطني، هناك من يقتفي توجّه المُحلل أو لا يتفق معه في مديح المدرب الإسباني خيسوس كاساس أو أي لاعب بارز لم ينل استحقاقه في قائمة الـ 26 لاعبًا المدعوّين لمباراتي إندونيسيا وفيتنام ضمن التصفيات المزدوجة المؤهّلة لنهائيّات كأس آسيا 2027 وكأس العالم 2026!

آخر ما تجلّى من طرحٍ لأحّد المُحلّلين هو تأكيده بأن المدرب كاساس اعتمد القائمة الأخيرة كـ “تحذير أخير” للاعبين المُستدعين بأنهم لن يكونوا في قوائمهِ مستقبلًا ما لم يُثبتوا جدارتهم في شغل المركز والحضور القويّ والمؤثر في موقعتي “جاكرتا” يوم الخميس 6 حزيران المقبل و”البصرة” يوم الثلاثاء 11 الشهر نفسه! 

والبعض الآخر راح يؤكّد أيضًا أن كاساس يتهامس مع لاعبين شباب سجَّلوا عروضًا مُبدعة في مباريات دوري نجوم العراق، واعدًا أيّاهم بالتواجد في الاستحقاق المهمّ الذي يفرضهُ الدور الثالث من تصفيات آسيا المؤهّلة لكأس العالم 2026 والذي سيواجه فيه منتخبات عتيدة لا يمكن الاسترخاء أو الاستخفاف أو فرط الثقة أمامها، وإلا لن ينفع الندم حينه وتُعد كُل التحضيرات مضيعة للوقت ورهان خاسِر وأموال مُبدَّدة تعرِّض اتحاد اللعبة للمُساءلة من الجهات المعنيّة حول نتائج مشروع الاستعانة بمدرب أجنبي مقابل ميزانيّة ضخمة شملت قيمة التعاقد مع الملاك والمعسكرات والمباريات التجريبيّة وغيرها منذ عام ونصف العام.   

لا يمكن لمدرب قادم من مدرسة أوروبيّة لها تأريخها ومسيرتها الرائدة في منافسات عالميّة وقاريّة أن يعمل بطريقة “الادخار” ويحتفظ باللاعب الجيّد إلى مناسبة أخرى، فكُل منتخبات العالم تنتقي أفضل لاعبي دوريّاتها المحليّة والمحترفة، ولنا في منتخبات مثل ألمانيا والبرازيل وأنكلترا وفرنسا حينما تواجه نظيراتها من المستوى الأدنى ضمن تصفيات البطولات الكبيرة فإنها تلعب بكامل نجومها وتسجّل أكبر عدد من الأهداف وتُمتِّع الجماهير ولا تحسب للمنافس ضعفه أو قوّته، بل يؤدّي اللاعبون الاستحقاق الوطني للتأريخ المعنوي والاعتباري وتعزيز حظوظهم في مجاميعهم ورفع مراكز تصنيفهم. 

لا شأن لنا بما اختاره كاساس من عناصر مُجرّبة أو جديدة وفقاً لمؤشّرات فنيّة يؤمِن بأنها تحقق له الغاية كونه المسؤول الأوّل عن خياره بموجب عقد رسمي مع الاتحاد، خاصّة أنه قد خرج بدرسٍ بالغ الألم من نهائيّات كأس آسيا في قطر كانون الثاني الماضي بأن عددًا ليس قليلًا ممّن يُجدِّد الثقة فيهم كُل مرّة لم يستحقوا الاستمرار معه والمغامرة ولو لبضعة دقائق، فالمنتخبات الآسيويّة حدَّثتْ صفوفها، ولم تعد تقبل حتى الخروج بتعادل مُشرّف يحفظ ماء الوجه! بل كبرت طموحاتها مثلما تحدَّت إندونيسيا وفيتنام عديد فرق آسيا على مستوى جميع الفئات، وهزمت بعضها وأحرجتها، لذا نتمنى أن تعطى الفرصة لمن يقدّرها ويبذل الجهد المضاعف ولا ينتظر وساطة أو تقرُّب من مسؤول من أجل معاودة الاستدعاء للمنتخب الأوّل، فالمشجّع البسيط أصبح على دراية تامّة بمن يصلح للعب الدولي أو يقتنع بما يؤدّيه في الدوري المحلي احتراماً لنفسهِ من تقريع الجماهير.

كي لا ننسى، منتخب فيتنام الذي سنواجههُ قريباً هو نفسهُ واجهناه قبل أربعة أشهر في كأس آسيا قطر، تقدّم علينا بهدف في الشوط الأوّل وقبل الخروج للاستراحة طُرد لاعبه فان كانج في الدقيقة 45+4 ولعب شوطاً ثانيًا بعشرة لاعبين ونجح في تسجيل التعادل بالدقيقة 90، وعندما سُئِل كاساس في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة عن الأخطاءِ التي ارتكبت في الثلث الدفاعيّ، قال “كرة القدم هي لعبة أخطاء، وسنحاول قدر المُستطاع تحسين أدائنا في الشقِّ الدفاعي! ثم اعترف أن بعض اللاعبين الذين خاضوا أوّل مباراة لهم في البطولة قد صاحبهم بعض التوتر! وعاد ليؤكّد تمسّكه بخيار التجريب أثناء الحدث بقوله ” نحاول مشاهدة جميع لاعبينا ومنحهم فرصة اللعب”!

لا ندري هل يستمر المدرب كاساس في المُراهنة على التجريب لمعرفة حظوظه؟ يبدو ذلك في ظلّ انعدام وجود لجنة فنيّة تمتلك صلاحيّات مستقلّة للتشاور معه من منطلق عدم السماح له بالتفرّد بسياسة فنيّة غير خاضعة لـ (المُناقشة) مع طرف عراقي تهمّه مصلحة منتخب بلاده تتواءم مع تصاعد أصوات الاستياء من عدم حدوث أي فارق فني تحت قيادة المدرب الإسباني في شقيّ (التحصين الدفاعيّ والنزعة الهجوميّة)! 

لا ضير أن يُبدي المُحلِّل الكروي رأيه حول مشاركة المنتخب الوطني المُرتقبة في التصفيات الآسيويّة المؤهّلة لكأس العالم، لكن البعض أخذ يُبالغ في طروحاتهِ لا سيّما المتعلّقة بجدوى منح الثقة لهذا اللاعب أو نزعها من غيره وهذا ما لم نشهدهُ في استوديوهات التحليل العربيّة وهي تتناول المستويات الفنيّة لمنتخبات بلدانها وتقدّم لها الدعم المعنوي وتنتقد بمسؤوليّة وطنيّة ولا تجرح بعبارات مباشرة “شخصيّة” فليس من حقها ذلك مهما علا سقف حُريّتها.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

من الباشا إلى السوداني.. من ينتفض للصحافة؟!

  إياد الصالحيلا أحّد يكترث، حتى حُرّاس المهنة من جيل المُخضرمين الذين لم يُغادر بعضهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *