آسيا قطر.. واقع أم استثناء؟

 

إياد الصالحي

جَمَعَ الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أوراقه الفنيّة الخاصّة بالنسخة 18 لكأس آسيا 2023، وغادرت لجانه العاصمة القطريّة الدوحة المُضيّفة بإبهار لا مثيل له عبر التأريخ المُتسَلسِل لتنظيم البطولة منذ الأولى عام 1956 في هونغ كونغ، ليعرض الاتحاد تقاريره على خُبراء التحليل بشأن طبيعة المنافسة، وأسباب التغييرات التي طالت مسار حظوظ المنتخبات الكبيرة لتودّعَ الحدث وسط دهشة جماهيرها وإعلامها ومسؤوليها المعنيين باللعبة.
أمر عجيب حقّا، لكنّه لا يبتعد عن منطق كرة القدم لمن تتبَّع دروسها المُبكية في صراعات قِمم بطولات القارّات، بأن الأربعة الكبار (أستراليا وكوريا الجنوبية وإيران واليابان) تناطحوا فيما بينهم قبل دورين من ختام المنافسة وأثبتوا قواهم وخططهم ومناوراتهم بعضهم لبعض، وسلّموا قناعاتهم بحتميّة الإقصاء أو البقاء في البطولة بحُكم الدقائق التسعين وما يضيفه الحُكّام، في واحدة من أهم اللقاءات التي حفلت بألغاز تكتيكيّة يفهمها المُدراء الفنيون وحدهم، فحدث الواقع بدل الاستثناء، وكافأت الكُرة من واجه غريمه بشجاعة، وغدرت بالمُنهزم أصلًا قبل دخوله الميدان وإن حمل صفة حامل اللقب بين الفرسان.
فلسفة بطولة قطر التي لم يُدركها الكثير، أن الأحساس بفوارق أي منتخب كبير وأنداده زادته غطرسة نفسيّة عند عبوره كلّ دور لم يتجنَّب مضاعفاتها السلبيّة ضدّه، مُتّكِئًا على رصيده الدولي المتقدّم وإعداده العالي في كُلفته الماديّة وقيمته الفنيّة من دون أن يحسب حسابه لمن ظلمتهُ الفوارق وعلّمته كيف يرتجف غضبًا وينتفض لوجوده!
ذلك ما أثاره الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران في مؤلّفه ( دروس قرن من الحياة) حيث يفيد فيه بأن “التعايش عنصر أساسي في نوعيّة الحياة” وأن “الإزدراء واللامُبالاة وغطرسة الطبقة والعرق والتسلسل الهرمي هي آفات الحضارة التي تمنع مَن يعاني من الإذلال من الاعتراف بكامل صفتهِ الإنسانيّة” وعند نقل ترجمة هذه العبارة البليغة لموران في قاموس صراع الفرق نقرأ أنّ الكبار الأربعة أمعنوا في نهاياتهم بالبطولة بذات العيون التي استصغرت الفرق ذات المستويات الأدنى التي كانت تعجزُ عن توفير رُبع الميزانيّة اليابانيّة أو التجيهزات الكوريّة أو مُضاهاة المنشآت الأستراليّة أو الخامات الفذّة للاعبي إيران، فوقعت الصدمة بخروجهم جميعًا بسيناريوهات هيّأوا مُسبقًا حفر مدافِن مشاركتهم للنسيان من دون أن يعلموا!
أما أنتم أيّها القطريون والأردنيون والعراقيون والسوريون فقد رفعتم رؤوس العرب الذين تناسوا جراحهم وصفقوا بكل حماسة لعروضكم القويّة وإن اختلفوا في العلاقات وشؤون الحياة، لكنّهم توحّدوا ورائكم للتشجيع، غير مبالين لخسائر مؤسِفة في النتائج وبينها مدبّرٌ للاطاحة بأسود الرافدين المرشّحين الأبرز لمواصلة الدرب نحو الكأس والوقوف على منصّة لوسيل كزُعماء لكرة القارّة.
لذا فالمسؤوليّة باتت كبيرة على منتخباتكم، ولا يمكن قبول نزولكم عن هذه المستويات المُشرّفة، وتذكّروا أن تصفيات كأس العالم المحكّ الأسهل القادم، ولا بدّ من حسم أوضاعكم في المنافسة تأسيسًا على حوافز الإبداع المُعضَّد من وسائل إعلام بلدانكم، ويقينًا أن بطولة قطر ستكون مرحلة انتقاليّة للتقرّب من الصفوف الأولى ضمن معايير تصنيف (الفيفا) لفرق آسيا، ويمكن أن تتشبّثوا في تقدّمكم وتحافظوا على تشكيلاتكم بمزيدٍ من الحرص والاهتمام، وتتفادوا سلبيّات البطولة التي أصبحت بحُكم المنتهية، لكن العمل والمُراجعة يبدأ اليوم وليس غدًا.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

من الباشا إلى السوداني.. من ينتفض للصحافة؟!

  إياد الصالحيلا أحّد يكترث، حتى حُرّاس المهنة من جيل المُخضرمين الذين لم يُغادر بعضهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *