يد تبني وأخرى تهدم!! 

 

يعقوب ميخائيل

أكثر ما يثير الاستغراب بعد خسارتنا الموجعة مع المغرب في أولمبياد باريس 2024 هو بعض الطروحات التي تحدّثت عن الفوارق الفنيّة بين اللاعبين أو بين مستوانا ومستوى المنتخبات الأخرى وكأننا نجهل هذه الفوارق أو لا نعرف حجم التباين بيننا وبين الأرجنتين أو المغرب! ومن ثم لا ندرك أيضًا أن مجموعتنا كانت صعبة وسنواجه منافسة شديدة من هذه المنتخبات!     

لا أبدًا.. كُل هذه الحقائق كانت ماثلة أمامنا، ولم نخفِ صعوبة المواجهات أيضًا، ولكننا كنا نمني النفس تقديم أداءً مقنعًا وليس مخزيًا كالذي ظهرنا عليه مع المنتخب المغربي وكأننا “فريق شعبي” وليس منتخبًا أولمبيًّا يسعى للظهور بمستوى ولو بحدود درجات الدنيا ليس أكثر.. ولكن!   

في كُل (عمل) يجب أن تضع ستراتيجيّة وأسس للنجاح.. وهذه الأسس هي عبارة عن سلسلة لا يمكن أن تعتني بحلقة وتترك الأخرى لأن في المحصّلة سترى أن هذه السلسلة قد تعرّضت للقطع وبذلك سيذهب كُل عملنا وتخطيطنا هباءً!  

ما جدوى دوري المحترفين وبناء الملاعب واستقطاب (اللاليغا) وجلب تقنيّة الفيديو والتعاقد مع طاقم تدريبي متكامل يتولّى تدريب المنتخب الأوّل بينما نترك المنتخبات الأخرى دون عناية ويتم تسليمها إلى بعض المدرّبين الذين نعرف مسبقاً أنهم غير قادرين على تطويرها والارتقاء بها متناقضين بذلك حتى شعار (الإصلاح) الذي جئنا به من أجل تطوير الكرة العراقية؟  

الموضوع لا يقتصر على الكابتن راضي شنيشل ولا أي مدرب آخر من الذين يتولّون تدريب منتخبي الشباب والناشئين، إنما يشمل العمل التدريبي (كمنظومة) وهذه المنظومة تحتاج إلى عقليّة وفكر تدريبي ناضج ويوازي ما يحصل من تطوّر على صعيد المستويات العُليا !

عندما قلنا مرارًا وتكرارًا إننا لسنا بالضدِّ من المدرب المحلّي، ولكن (الفكر التدريبي) المحلّي لا يمكن أن (يتنافس) في محافل رفيعة المستوى كالدورة الأولمبيّة أو بطولات كأس العالم، إنما كنا نتحدّث بواقعيّة، بل حتى الشارع الرياضي.

وكُل وسائل الإعلام (المهنيّة) تدرك تمامًا إننا بحاجة إلى كوادر تدريبيّة أجنبيّة رفيعة المستوى لجميع المنتخبات كي نسعى للتطوّر، ومن ثم عن طريق هذه الكوادر نستطيع أن نختزل الفجوة ونقلّص الفوارق بيننا وبين المغرب أو الأرجنتين أو أي منتخب متطوّر آخر والتي طالما تحدّث بها كثيرون!  

الفوارق لا تتقلّص ولا تختزل بتسليم المنتخبات إلى شخصيّات تدريبيّة ليست قادرة على العطاء،   بل تفتقر حتى إلى الخيارات الصحيحة (وتتشبّث) في التشكيلات بحيث تجعلنا نصبح (مضحكة) أمام الملأ بتقديمنا المستوى الهزيل الذي يسيء إلى البلد وتأريخه الرياضي!

الفوارق لا تختزل بالمجاملات والمحسوبيّات!! ولا باختيار لاعبين مُصابين مَن هُم فوق السنّ القانونيّة للمشاركة مع المنتخب الأولمبي، ولا بإبقاء لاعب كـ “حسين علي” جليس دكّة الاحتياط و(الاصرار) على عدم اشراكه إلا لدقائق معدودة بينما هو لاعب أساس في تشكيلة المنتخب الأوّل! والفوارق لا تختزل أيضًا بغضّ النظر عن الكثير من لاعبينا المنتشرين خارج البلد، بينما (تتمنى وتحلم) كُل دول المنطقة أن يكون لها مثلَ هؤلاء اللاعبين كي تزجّهم في تشكيلاتها وتستفيد منهم إلا نحن!  

لقد شاهدنا جميعًا مستوى المنتخب الأولمبي المغربي، وبالأمس القريب رأينا أيضًا ما فعله المنتخب المغربي الأوّل في بطولة كأس العالم 2022 في قطر، وكيف وصل إلى المُربّع الذهبي وها هو في الأولمبياد (اليوم) يكشف عن منتخبه المستقبلي الذي حتمًا سيكون النواة الأساسيّة للمنتخب الأوّل في المونديال المقبل !

نعم..هناك تخطيط وستراتيجيّة في العمل وكذلك بحث واستكشافات عن جميع اللاعبين المغاربة الذين ينشطون في الدوريّات الأوروبيّة من أجل استقطابهم وزجّهم في تشكيلات منتخباتهم .

دعونا نستفيد من هذه التجارب ولا تتركوا منتخباتنا (حقل تجارب) لمدرّبين نعرف إننا لا نتقدّم ولو خطوة واحدة معهم باتجاه التطوّر!

لقد استبشرنا خيرًا بوجود الكابتن عدنان درجال على رأس الهرم في اتحاد الكرة، وما يبذله من جهد في سبيل الارتقاء بواقع كرتنا، ويقيناً أن الشارع الرياضي يقف معه ويثني على كُل جهد يبذله، ولذلك لا نريد أن يذهب كُل هذا العمل والجهد أدراج الرياح!  

يقيناً .. إننا بأمسّ الحاجة ليس فقط إلى كوادر أجنبيّة تتولّى مهمّة تدريب كافة منتخباتنا، بل نحن بحاجة حتى إلى كوادر أجنبيّة متخصّصة بتدريب الفئات العمريّة التي يجب أن تبدأ مهمّتها في مدارس كرويّة متخصّصة يتبناها اتحاد الكرة كجزء من مشروعه المستقبلي، ولا يمكن أن يمضي العمل الناجح على وفق تناقضات كالتي أسلفنا ذكرها.. أي لا يمكن أن نبني بيدٍ ونهدم بالأخرى .. فهل وصلت الرسالة ؟!

 

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

متى نتعلم؟

  محمد حمدي مرّت المؤسّسة الرياضيّة العراقيّة بصورة عامّة بعدد كبير من التجارب منذ السماح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *