ملاعب الوحدة والمحبّة

 

سمير السعد

تعد كرة القدم أكثر من مجرّد رياضة، فهي لغة عالمية تقارب بين الشعوب وتزيل الحدود والتقطعات السياسيّة. عبر هذه اللعبة، تجد شعوب العالم نفسها على منصّة واحدة، حيث تتوحّد الجماهير حول شغف مشترك بعيدًا عن الخلافات والنزاعات التي قد تفرّقهم في ساحات أخرى.

ومع ذلك، ومع اقتراب البطولات الكُبرى والمنافسات الدوليّة، قد نلاحظ بعض التصريحات والتصرّفات التي تحمل في طيّاتها نبرة سلبيّة، ولا تعكس روح التنافس الشريف.

مؤخرًا، ظهرت بعض التصريحات غير المسؤولة من شخصيّات كويتيّة والتي أسهمت في خلق جوّ من التوتر بين الجماهير، وهو أمر يسبق أوانه ولا يمثل إلا وجهات نظر فرديّة محدودة.

إن هذه التصريحات التي تتسم بالاندفاع والعاطفة، لا ينبغي أن تعكّر صفو العلاقات الأخويّة بين الشعوب العربيّة، ولا يمكن أن تنال من الجوهر الحقيقي لكرة القدم الذي يقوم على المنافسة النزيهة والتفاعل الإيجابي.

كما يجب أن تكون المسؤوليّة حاضرة لدى جميع الأطراف، سواء كانوا مسؤولين أم جماهير، في دعم قيم الاحترام المتبادل وتجنب الوقوع في فخّ التصريحات المستفزة التي لا تخدم أحّدًا سوى تعزيز التفرقة.

إن وحدة الصفّ بين الشعوب العربيّة، خصوصًا في مجالات الرياضة، هي جزء لا يتجزأ من الترابط الثقافي والاجتماعي الذي يربط هذه الشعوب.

ويبقى الأمل أن يعي الجميع الدور الإيجابي لكرة القدم في تقارب الشعوب، وأن نتخذ من الملاعب ساحات للوحدة والمحبة، بعيدًا عن أي تصريحات أو تصرّفات قد تهدّد هذا الهدف السامي، فالرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، يجب أن تكون جسرًا للتواصل وبناء الثقة، لا وسيلة لزيادة الانقسامات.

لذلك، من الضروري أن نتذكر دائمًا أن كرة القدم هي رياضة تجمع الناس من مختلف الأعراق والثقافات تحت راية واحدة، راية الشغف والحُب للعبة الجميلة. إن الملاعب التي تضيّف مباريات كرة القدم هي بمثابة مساحات للتفاعل الإيجابي ولقاء الأفراد من مختلف الخلفيّات ليشاركوا في تجربة إنسانية مشتركة.

وفي هذا السياق، يجب على الإعلام والجماهير على حدٍّ سواء أن يكونوا واعين لما يبثونه من رسائل، وأن يلتزموا بروح المنافسة النزيهة، فالتصريحات المتسرّعة والمشحونة بالعاطفة قد تؤدّي إلى تصعيد غير مرغوب فيه، وتخلق جوًّا من الانقسام بدلاً من الوحدة. لذلك، يجب أن يتحلّى الجميع بضبط النفس والابتعاد عن كُل ما يمكن أن يؤجّج الصراعات أو يُسيء للعلاقات بين الشعوب!

ويمكن النظر إلى كرة القدم كأداة للتغيير الإيجابي، فمن خلالها يمكن أن تُسهم المبادرات الرياضيّة في تعزيز السلام والتنمية الاجتماعيّة، وقد رأينا في العديد من المناسبات كيف استطاعت كرة القدم أن تجمع الأعداء السابقين على طاولة الحوار، وأن تنقل رسائل الأمل والوحدة في أوقات الشدّة!

يجب أن نضع نُصب أعيُننا أن كرة القدم ليست مجرّد لعبة، بل هي رمز للتعاون والتفاهم بين الأمم، وما من شكٍّ أن الجماهير لها دور كبير في دعم هذه الرسالة. فالتشجيع المثالي هو الذي ينطلق من حُب اللعبة، بعيدًا عن كُل أشكال التعصّب أو الكراهيّة. وعلينا أن نكون على وعي بأن ما يُقال أو يُكتب يمكن أن يكون له تأثير كبير، سواء كان إيجابيًّا أم سلبيًّا.

يمكن القول إن كرة القدم هي أكثر من مجرّد لعبة، إنها قوّة للتآزر قادرة على تخطّي الحواجز وبناء الجسور، لذا، يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز هذه الروح الإيجابيّة، والعمل على جعل كُل مباراة وكُل بطولة فرصة للتقارب والتعاون بين الشعوب، وليس سببًا للتفرقة، فالمستقبل الذي نريده لكرة القدم هو مستقبل تسوده الروح الرياضيّة، حيث تكون الانتصارات هديّة للجميع والهزائم درسًا في التواضع والتآخي.

 

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

متى نتعلم؟

  محمد حمدي مرّت المؤسّسة الرياضيّة العراقيّة بصورة عامّة بعدد كبير من التجارب منذ السماح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *