عندما يصبح الجهل قائدًا!

 

بهاء تاج الدين أحمد*

تُعتبر الرياضة من أرقى مظاهر التفاعل الإنساني، حيث تلتقي فيها الأجساد والعقول في ساحات المنافسة النزيهة، وتُنسَج من خلالها قصص النجاح والتفوّق، إنها مساحة تُتيح للإنسان أن يُظهر أفضل ما لديه من مهارات، روح قتاليّة، وأخلاق رياضيّة، ممّا يجعلها مصدر إلهام وتحفيز للملايين حول العالم.

ففي كُل ركنٍ من أركان الرياضة، نرى التنافس الشريف والتكامل بين الأداء الجسدي والعقلي، وكأنها لوحة فنيّة يُشارك في رسمها كُل من اللاعبين والمدربين والجماهير.

ومع ذلك، فإن هذا الجمال الرياضي يتعرّض لخطر حقيقي عندما يتولّى قيادة الرياضة أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة والمعرفة، هؤلاء “الجاهِلون” لا يحملون معنى الكلمة بشكل شخصي، بل هُم من يفتقرون إلى الفهم العميق لأصول الرياضة وأبعادها الفنيّة، ويتعاملون معها بعشوائيّة تفتقر إلى الرؤية والاستراتيجيّة، وعندما يقع مصير الرياضة بين أيدي غير مؤهّلة، يبدأ التدهور في المستوى وتختفي القيم والمبادئ ولا تعد الرياضة حينها مدرسة للحياة كدورها الذي عرفناه من عقود طويلة.

في بعض الأحيان، يكون لهؤلاء الجاهلين تأثير مدمّر على مسيرة الرياضيين، إذ يفرضون سياسات غير مدروسة، ويضعون أهدافًا غير واقعيّة، متجاهلين احتياجات اللاعبين والمدرّبين الحقيقية، وبدلاً من التركيز على تطوير المهارات والقدرات، نجدهم يهتمّون بالمظاهر والنتائج السريعة التي قد تُحقق نجاحات مؤقتة، لكنها تضرّ بالبنية التحتيّة الرياضيّة على المدى البعيد.

تحت قيادة هؤلاء الجاهلين، تتحوّل الرياضة من ساحة للإبداع والتفوّق إلى ميدان للضغوطات والفساد والمحسوبيّات، ويفقد الرياضيون الثقة في القيادات، وتبدأ المشكلات بالظهور على السطح، مثل تراجع المستوى الفني، وهروب المواهب، وضعف النتائج، ومع مرور الوقت، تتلاشى القيم النبيلة التي كانت تُميّز الرياضة، وتحلُّ محلها الفوضى والإحباط.

في المقابل، عندما يتولّى قيادة الرياضة أشخاص ذوو خبرة ومعرفة، تكون النتائج مختلفة تمامًا، هؤلاء القادة يعرفون كيفيّة بناء الفرق، وتحفيز اللاعبين، ووضع استراتيجيّات طويلة الأمد تضمن استدامة النجاح، ويدركون أن الرياضة ليست مجرّد منافسة على الميداليّات، بل هي وسيلة لبناء الشخصيّات وتنمية المجتمعات، لذلك تزدهر الرياضة تحت قيادتهم وتصبح مصدر فخر واعتزاز للأمة بأسرها.

من الضروري أن ندرك أهميّة اختيار القيادات الرياضيّة بعناية، والاعتماد على الكفاءات والخبرات التي تملك رؤية واضحة لمستقبل الرياضة. وإن تعزيز الوعي بأهميّة الرياضة وإدارتها بشكل صحيح هو السبيل الوحيد لضمان استمرار هذا الجمال الرياضي الذي يُلهم الأجيال القادمة.

في النهاية، كُل شيء جميل في الرياضة إذا ابتعد عنها الجاهلون. ولنحافظ على هذا الجمال من خلال دعم القادة الذين يمتلكون الفهم والرؤية، والذين يُدركون أن الرياضة هي أكثر من مجرّد لعبة، إنها انعكاس لقيمنا ومبادئنا  وشريان حيوي يُغذي روح الأمّة.

* مدرب دولي بالمصارعة

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

متى نتعلم؟

  محمد حمدي مرّت المؤسّسة الرياضيّة العراقيّة بصورة عامّة بعدد كبير من التجارب منذ السماح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *