شراسة كوبا أمريكا

 

رعد العراقي

انطلقت معركة نهائيّات كوبا أمريكا 2024 في صراع غير مسبوق استخدمت فيها جميع المنتخبات المشاركة سلاح الشراسة الأبيض الفتاك بتأثيره الفني في فرض السيطرة على أرض الميدان وكبح جماح الخصوم ومن ثم استغلال الجانب المهاري الفردي والجماعي لكسب المباراة.

البطولة سجّلت تقاربًا في المستويات عطفًا على فلسفة النهج المُتبع المتمثل بالانتشار الصحيح والشراسة في الالتحامات التي وصلت لحدود العنف من أجل عدم اعطاء فرصة للخصوم في التفوّق على مستوى المهارة أو الجانب الخططي الذي تمتاز به كُل المنتخبات الكبيرة في القارّة وهو ما أزاح حواجز الفارق بالمستوى وذهبت النتائج إلى حيث ميزة الاستغلال الأمثل لأي فرصة مُتاحة.

دعونا نتأمل بعض ما جرى من لقاءات ونُحلّل الأسباب حين تعجز البرازيل عن تحقيق فوز على منتخب كوستاريكا الذي يُصنف سابقاً بالمنتخب الأضعف إلا أن مجريات المباراة تؤكّد عكس ذلك الاعتقاد! فالمنتخب البرازيلي امتلك الميدان طولاً وعرضاً وتناقل الكرة بمهارة وجماليّة وفرض سيطرة شبه مُطلقة، لكنه بالأخير عجز عن الوصول إلى الهدف، أما السبب أن كوستاريكا أدّت مباراة العُمر على مستوى القوّة البدنيّة والالتحامات الناجحة وتضييق المسافات وتنظيف المناطق الخطرة من أي كرة قريبة على المرمى إضافة إلى امتلاكهم حارس مرمى يمتلك الشجاعة والجُرأة، الأمر الذي أجبر البرازيل على الاستعجال وفقدان التركيز فكانوا أسودًا في الاستعراض والسيطرة وكالحمل الوديع في انهاء الهجمات!

وذات الموقف حصل في أغلب المباريات وآخرها مباراة المكسيك وفنزويلا التي كانت ساحة فعليّة للصراع البدني الشرس حيث تفوّقت المكسيك وامتلكت الميدان بكُلِّ أجزائه إلا أن فنزويلا ثبتت ونجحت باقتناص نتيجة المباراة باستغلالها إحدى الفرص القليلة!

الغريب أن حُكّام البطولة سواء حُكّام الساحة أم الفار يدركون جيّدًا أسلوب اللعب العنيف الذي تنتهجه جميع المنتخبات، فكان تعاملهم مع مجريات وأحداث المباراة يستند إلى تلك الرؤية حين تغاضى الحُكّام عن احتساب الأخطاء في الصراعات القويّة إلا في الحالات الشديدة جدًّا في حين أن الفار لم يتدخل بتلك الحالات ومنح حُكّام الساحة الحريّة في تقدير الحالة واكتفى حضورهم في تحديد صحة الأهداف أو احتساب ركلة جزاء وهو ما سمح باستمرار المباريات من دون توقف وأجزم لو أن تلك المباريات كانت تحت قيادة حُكّام دورينا فلن يستمرّ اللعب سوى دقائق معدودة ولن تنتهي المباراة إلا بعد وقتها الأصلي بدقائق ليست قليلة!

نقول..كوبا أمريكا على مستوى أداء المنتخبات وطواقم الحُكّام ستكون أغلى فرصة يمكن استثمارها من قبل اتحاد الكرة وكذلك الكادر التدريبي للمنتخب الوطني باتجاهين الأول أن يجري تنظيم دورات لحُكّامنا للاطلاع على أداء حُكّام كوبا أمريكا وكيفيّة التنسيق السريع والتواصل بين حكم الساحة والفار والحلات التي تستوجب التدخل بها من دون أن نؤثر على سير المباراة وهو ما سيرفع القيود عن حكم الساحة وتركه في تقدير أغلب الحالات دون تأخير، أما الاتجاه الثاني فهو يتعلّق بأسلوب الأداء الذي يجب أن يظهر عليه منتخبنا الوطني وهو تنظره مهمّة خوض تصفيات كأس العالم المقبلة التي تتطلّب الثبات والقوّة في الأداء ولو استطاع كاساس استغلال تشابه صفات لاعبينا مع لاعبي دول أمريكا من حيث القوّة البدنيّة والالتحام يمكن له الخروج بأسلوب يجمع بين صحّة الانتشار والضغط والالتحام مع توظيف المهارات الفنيّة الفرديّة والجماعيّة ليكون لدينا منتخب قادر على وقف أي خصم مهما كانت قوّته وأداءه ودليلنا أن صِغار منتخبات أمريكا باتوا يسقطون كبارها!

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

متى نتعلم؟

  محمد حمدي مرّت المؤسّسة الرياضيّة العراقيّة بصورة عامّة بعدد كبير من التجارب منذ السماح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *