شارة الكابتن ومواصفات حاملها .. ماهي الاعتبارات الفنيّة والشخصيّة في اختيار رئيس الفريق؟  

 

د. باسل عبد المهدي*

يعلم المتابعُ الملمُّ بالشأن الكروي العالميّ بأنَّ هناكَ مِنَ اللاعبين مَنْ يُعدُّ فذًّا أو حتى عبقريًّا في لعب الكرة، مع ذلك لم يُكلًّفُ يومًا بحملِ شارة (الكابتن) ضمن فريق النادي أو منتخب بلاده، وإن حصل ذلك فتتمُّ مجاملته في مناسبة معيّنة كمباراة اعتزال مثلاً.  

فلاعبين افذاذ مثل الجوهرة البرازيلية بيليه، أو الهدّاف الألماني الفذّ مولر، وحتى زين الدين زيدان وكثير غيرهم لم تشفع لهم مهاراتهم الكرويّة من نيل شرف التكليف بمهمّة رئيس الفريق!! ما هي الأسباب التي تكمن وراء ذلك؟ وما هي المواصفات المثاليّة لهذه الشخصيّة والطرق المُعتمدة في اختيارها؟

من البديهيّات المعلومة لدى خبراء الكرة بأن رئيس أي فريق كروي جيّد اليوم عليه أوّلًا وقبل كُلّ شيء أن يفهم ويتقبّل وجوب قيامه ببذل كُل الجهود التي تمكّنه من أن يكون يد المدرب الطولى المُمتدّة نحو الفريق، وكذلك قناة وصل بين اللاعبين والمدرب.  

من هو الكابتن المثالي؟

القائد المثالي للفريق عليه أن يحوز على قبول وثقة لاعبي فريقه. الثقة التي تلزمهُ التفكير والتصرّف بما تمليه عليه احاسيسهم ومواقفهم، مثلما تملي عليه بأن يصبح الناطق عنهم في خدمة مصالحهم عند مناقشة موضوعات تعتبر في أحيان كثيرة غير محبّبة وتتطلّب نوعًا من صراحة المواجهة مع المدرب أو الإدارة المسؤولة. هنا ينبغي التحذير بأن نقيض ذلك يُعد أمرًا غير محبّبٍ في دُنيا الكرة ومهمّات الكابتن! فرئيس الفريق لا يمكن أن يكون مثاليًّا عندما يتحوّل الى ما يشبه “حوذي العربة” التي يسحبها الفريق! أسوأ من ذلك أن يقوم (فقط) بتمثيل مشاعره ووجهات نظره في مجمل الأمور!

من المبادئ المهمّة التي يُلزم التمسّك شأن كهذا هو عدم جواز السماح لهذا القبول بأن يسري ويستخدم كمكسب مستحقّ لرئيس الفريق يأتيه من خارج حدود الملعب. عليه أوّلًا اكتساب هذا القبول من زملاءه اللاعبين عبر الجهود التي يبذلها في خلال المباريات وكنتيجة للسلوك القيادي الذي يوظّفه من أجل الفوز وما يتمتّع به من كفاءة كمُنظّم أو مُحرِّك للفريق أثناء اللعب.  

إن الكثير من هذه المبادئ والقيم في اختيار وتسمية ( كابتن ) الفريق قد أهملت عراقيًّا في أحيانا كثيرة وتمّ التلاعب بها، ليس في كرة القدم فقط، وإنما في بقيّة الألعاب أيضًا عبر اعتبارات لا علاقة لها بالشخصيّة المطلوبة وواجباتها كما وضحت. فغالبًّا ما تمّ اللجوء عفويًّا إلى تسمية الأكبر عُمرًا أو الأعلى رتبة لحمل الشارة من دون رؤية متكاملة للمهمّة ومستوجباتها، الحالة التي سبّبت في مواقف وبطولات عّدة أضعاف لتأثيرات أهميّة الشارة وشخصيّة حاملها.

تعيين أم انتخاب؟

غالبًا ما يلجأ المدرب شخصيًّا إلى التفتيش واختيار من يكلّفه المسؤوليّة لحمل شارة القيادة داخل الساحة. ويُعد أمرًا غير مُحبّبًا أن تقصد التسمية هذه، ذلك الصنف من اللاعبين من الذين يُحسِنون دومًا قول الـ (نعم) أمام قرارات المدرب!

إن هناك من المدربين الكبار من يفضّلون اختيار رئيس الفريق من الصنف الذي يُجيد المشاحنة ولا يتردّد في إبداء وجهة نظر مختلفة أمامه، لكنّه في ذات الوقت يمارس انتقادًا منتجًا داخل الفريق ولمصلحته. هذا الصنف من المدربين ومن رؤساء الفرق كاد أن ينعدم اليوم في الكرة الحديثة بسبب تصاعد تأثيرات هيمنة المال وحسابات الارباح والخسائر وسطوتها في قرارات مجالس إدارات الأندية وحملة اسهم شركاتها.

وفي كلّ الأحوال يُمسي أمرًا غير مستحبّ بأن تتحوّل المشاحنات ووجهات النظر المختلفة إلى ما يشبه سياسة (نشر غسيل) حين تنقل عبر تصريحات مباشرة وبيانات إعلاميّة علنيّة. أنها تمثّل أشبه بشرارة بدأ الانهيار.. ولقد شهدت الكرة العالميّة حالات متكرّرة من ذلك، ليس أوّلها ولن يكون آخرها ما دار في أروقة الكرة البرازيليّة (المحبوبة عالميًّا) من فضائح حُقبة رئيس الاتحاد البرازيلي السابق (تاكسيرا) في تسعينيّات القرن المنصرم، والتقلّبات التي حصلت في تغيير مدرب المنتخب الوطني.

ومن المدرّبين مَن يفضّل اللجوء إلى الانتخاب في تسمية رئيس الفريق، وقد تحصل مفاجأة في النتيجة حين يعمَدْ اللاعبون إلى اختيار الأكثر هدوءًا وسكينة فيهم لقيادتهم لأنهم يرون في سكونهِ هذا خير نموذج للموقع، وقد يكون لحُسن تصرّف اللاعب وجودة علاقاته مع زملاءه أثرًا كبيرًا في هذا الخيار.  

أهميّة النقد الذاتي

أن هناك من رؤساء الفرق من يواصل اطلاق التبريرات عن حالات متكرّرة من سوء أو ضعف التصرّف أو مستوى العطاء في المباريات والتهرّب من ممارسة أي شكل من أشكال النقد الذاتي، وهو ما يسهل عاجلًا أم آجلًا إلى اسقاط أنفسهم في الفخّ، إذ غالبًا ما يتمّ تجريدهم من الشارة ومهمّتها.

وحين يلجأ المدرب إلى تسمية رئيس الفريق فإن ذلك يعد أمرًا طبيعيًّا لاعتقاده بأن (الكابتن) المختار يُعد شريكًا متحدّثًا في كثير من المسائل التي تهمّ الفريق، مثلما هو بحاجة إليه كيد طولى أثناء المباراة لقناعتهِ بأنه الأحسن من بين اللاعبين في فهم لغته وهضم طريقة تفكيره.  

في الفرق الكبيرة اليوم حيث أمست وجهات نظر اللاعبين فيها غير متباعدة كما كان عليه الحال سابقًا، يلجأ الفريق إلى اختيار أو انتخاب من يجدونه الأفضل من بينهم من يستطيع فهم أفكار ونوايا مدرّبهم! وقد يلجأون إلى اختيار أكبرهم بالسنّ أو أكثرهم قدمًا في الفريق (كابتنًا) لهم لاعتقادهم بأن أمثال هؤلاء يتمتّعون بخبرة وملكة كافية خصوصًا عند مناقشة موضوع المكافآت الماليّة المقرّرة مع إدارات الفرق.

المسموح والممنوع من الممارسات  

ومثلما هو ضروريّا أن يلتزم رئيس الفريق بسياسة واضحة ومستقيمة عند بحث المشاكل التي تتعلّق بمسيرة الفريق ونتائجه كـ”ضمّ” لاعب ما أو إبعاد آخر عن التشكيلة الأساسيّة في مباراة ما، عليه أيضًا وبكلّ هدوء وحيطة محاولة ترتيب ذلك في نقل وجهة نظره إلى المدرب من دون أي محاولة لزجّ الإعلام في مشاكل الفريق أو استثمار تعاطفها من عدمهِ لتمرير إرادته. ربّما يستغرب البعض عندنا هذا المنطق، لكنّه أمرًا حصل ويحصل في العديد من الأندية الأوروبية الكبيرة ومنتخباتها الوطنيّة، وهي ممارسة أو ثقافة لا زالت شبه معدومة في إدارات فرق أنديتنا ومنتخباتنا!

هناك بعض رؤساء الفرق مَن يلجأ إلى توظيف قدراته الكروية وأعجاب وتعلّق الجماهير في عمليّة صُنع المواقف بشكل علني. إنها ممارسات بدائيّة ولا تفصح عن وعي ولا يمكن بأي حال أن تخدم في حصيلتها مسيرة الفريق وإنما إلى إضعاف هيبة المدرب وصلاحيّاته أمام لاعبيه.  

وعلى العكس من ذلك هناك رؤساء فرق يندفعون بحدّة وتحيّز متناهيين في المواجهة. مثل هذا الأمر قد يقود إلى تخلّيهم عن حمل شارة (الكابتن) حين تسقط بين يديه الحيلة ويفشل في تمرير قرار أو حسم مشكلة أو تمثيل وجهة نظر!  

الكابتن المدلّل

وقد يتفق فريق بأجمعه أو بأغلبيّته في عدم تلبية رغبة المدرّب في انتخاب رئيس الفريق لاعتقاد بأن من يريده المدرب لهذه المهمّة هو (المُدلّل) أو الأمين الوحيد، فيلجأون إلى انتخاب من يعتقدونه الأنسب لقيادتهم داخل وخارج ساحات اللعب. إن غالبيّة رؤساء الفرق والمنتخبات الكبيرة في العالم كانوا من الشخصيّات القياديّة برغم مشاحناتهم المستمرّة مع مدرّبيهم… دي ستيفانو، ياشين، بوبي مور ، بيكنباور، بلاتيني، زوف، سقراط وحتى مارادونا وكثيرين غيرهم يعدّون في النوعيّة من رؤساء الفرق، قلّما نجد مثيل لهم اليوم في عالم ما يسمّى بالكرة الحديثة.

ومهما يكن الوصف المختار في تقديم الصورة المحبّبة لكابتن الفريق، إلا أنه يظلّ من غير المقبول وفي كُلّ الأحوال، مساهمة هذا الكابتن في عملية إسقاط المدرب وإبعاده عن الفريق. أنها الممارسة الأكثر شرورًا والأبعد عن كُلّ القيم الأخلاقيّة حين يسمح لنفسه رئيس أي فريق، مهما كبر اسمه أو شهرته حقّ، اطلاق رصاصة الرحمة على رأس مدرّبه!

* أكاديمي متخصِّص في ( السياسة الرياضيّة(

 

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

تقنيّات تركيز لاعبات الجُمباز على عارضة التوازن

  كتب: د. قاسم الكناني* يتساءّل كثيرون كيف تركّز لاعبات الجُمباز على جُملتهم الحركيّة على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *