جدليّة الحوار الساخن حول أفضليّة المدرب المحلّي أم الأجنبي!

 

كتب: أ. د هلال عبدالكريم*

انهمك الشارع الرياضي لوقتٍ طويل ولم يزل بمسألة الفروقات بين المدرب المحلّي والأجنبي وفقًا لنتائج وجودة الأداء الرياضي، وأصبحت موضوعًا، بل قضيّة مثيرة للجدل في المجتمع الرياضي العراقي، وهي تنشط وتتفرّع كُلّما حدثت حالة فشل في نتائج الألعاب المختلفة وخاصّة إذا تعلّق الأمر بلعبة كرة القدم فهي اللعبة الأولى المتصدّرة للمُمارسة والمشاهدة والمُجادلة في نفس الوقت.

وفي بلدنا العزيز ينشط هذا الجدل بقوّة وبقسوة ليصبح اشكالاً مستدامًا لابد من وجوده حتى لو لو كانت النتائج إيجابيّة.. لماذا؟ وذلك لوجود اختلاف وخلاف في الآراء وفقاً للرؤية الأساسيّة والمستوى الثقافي والطموحات الشخصيّة للمهتمّين بهذا الإشكال!

 

في حقيقة الأمر يتوجّب النظر إلى مثل هذه الأمور بأسلوب متجرّد وعلمي موضوعي الهدف منه البناء والتطوير وتحقيق النتائج الإيجابيّة المستقبليّة والثبات في التقدّم، أما المؤثر الشخصي فإنه يوجّه اشكاليّة النقاش إلى الاتجاه السلبي حتمًا، ولذلك فقد انقسم المتجادلون إلى قطبين أو قسمين.

المؤسف إن من يعطي الرأي الموضوعي والواقعي يرتكز على معرفة من قطبٍ معيّن يواجه بردٍّ جافٍّ  محشوٍّ بتسميات كبيرة بإطار الوطنيّة والإنسانيّة ولقمة العيش (ما هكذا تورد الأبل)!!

الوطن هو الأوّل والأخير، وهو المحور الأكبر والأخطر حين يكون الموضوع مُرتبط فيه، وعليه يجب أن نحرص على أن يكون رأينا وفق ما يرفع من شأن الوطن، وهو ذلك الرأي الموضوعي العلمي الذي يدرك الحاضر ويخطّط للمستقبل وإجراءات تنفيذيّة متخصّصة لا ترقيعيّة، فالعِلم لا يتقبّل الرأي الذاتي أو الشخصي، نعم يحترمهُ لكن لا يقبلهُ إلا إذا تطابق معه، المهمّة صعبة وخطرة عندما تخصّ مسألة بناء وتطوير ظاهرة معيّنة مثل الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص!

العالم الرياضي يقيس قيمة الرياضي والمدرب بمقاييس بيانيّة رقميّة إحصائيّة للحصول على عمل رياضي إنجازي مُستدام (مستمرّ في الجودة) وبناء على ذلك تُقترَح اسعار عقود اللاعب والمدرب وحتى المدير التنفيذي باعتباره عاملاً أساسًا في تنظيم العمليّة الرياضيّة، فالرأي هنا للأرقام مضافاً إليها المواقف  الشخصيّة المؤثرة التي أدّت إلى تغيير النتائج من الفشل إلى النجاح.

السؤال هنا.. هل نحن نتعامل بهذه الطريقة في العمليّة الرياضيّة؟ بالطبع لا، والدليل إننا نتأخر والآخرين يتقدّمون! وهذا واقع لا يستطيع أن ينكره أحّد، التجربة والتجريب تعطي نتائج إيجابيّة أو سلبيّة، ولكن المشكلة إننا متعلّقون دائمًا بالتجريب حتى تفوق بأهميتهِ على التخطيط والرأي العلمي.  

لقد افرزت التجارب أن محليّة الرؤية انتجت نتائج محليّة محدودة التأثير ومؤقتة، نفرح بها مؤقتاً وتقتلنا لاحقًا، وهذا ما أسّس لإشكاليّة الفروق بين المدرب المحلّي والأجنبي في كرة القدم والألعاب الأخرى.  

في الحقيقة ليس هناك أدنى شك في اندفاع وحرص وكم المعلومات التي يمتلكها المدرب المحلي والشخصيّة التي تبرّزه، ولكن الفروق تظهر في نوع المعلومة واستيعابها توظيفها وفق متطلّبات الأداء والمتوفر من الأدوات، مع توفر العقليّات المفتوحة لتقبّل الجديد وتقنينه حسب القابليّات، ثم والأهم هي تلك المرتكزات الأساسيّة والمداخل الرئيسة للتدريب المؤثر كما يراه المدرب الأجنبي، فهو يرى أن المسألة لا تتعلّق فقط بالملعب والكرة وإنما بشخصيّة اللاعب وكيفيّة بناؤها رياضيًّا واجتماعيًّا وعقليًّا ونفسيًّا، ويتعلّق أيضًا ببناء أسس لعب تبنى عليها الخطط المختلفة (يقول ديل بوسكي، مدرب إسبانيا الكبير: لقد أسّسنا أكاديميّات لصناعة لاعبين وكانت المهمّة أصعب بكثير، حيث يتوجّب تعلّم أنظمة لعب كثيرة يجب أن يتعلّمها اللاعب مبكّرًا ليستوعب القادم من الخطط في مستقبله) إذاً النظرة هنا للتدريب شاملة تفرض حتميّة استيعاب وإدراك كُل متطلّبات الأداء الناجح.

أما الأهم في مجتمعنا الرياضي والمُعيق الأساس له فهو الجانب الشخصي، فالمدرب الأجنبي يتجرّد إلى حدٍّ بعيد عن الاستثناءات الشخصيّة وتتعلّق سلوكيّات وإجراءاته بالهدف العام للفريق حصريًّا، وقد تحدّثنا مُسبقاً عن قدرات المدرب المحلّي ومؤهّلاته للعمل الجادّ، ولكنّه في حاجة إلى أن يسعى دومًا للتعرّف على الكثير حول أسرار التدريب ووسائل مؤثرة في تحقيق النتائج وتفاصيل الجزئيّات التي هي مهمّة جدًّا للمدرّب الأجنبي!

نحن نسعى دائمًا إلى أن يقود المدرّب المحلي كُل فرقنا الرياضيّة في المستقبل، وهذا هو الهدف الأكبر في مسألة التدريب، وهو ما يلزم المسؤولين عن الرياضة العراقيّة حتمًا لاعتماد الوسائل والإجراءات التي تتيح تحقيق هذا الهدف الكبير مُعتمدين في ذلك على ذوي العلم والخبرة الذين يحملون العِلم في كفّة والوطن في كفّة أخرى.

* متخصّص في علوم التدريب الرياضي وعلم النفس الرياضي

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

وداعًا “أنور جسّام” المدرب المحترف والإنسان المتواضع

  بقلم : بهاء تاج الدين أحمد فقدت الساحة الرياضيّة العراقيّة والعربيّة أحّد أعلام كرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *