بيانات انتخابيّة أم قنابل موقوتة تدمِّر الرياضة؟

 

مراكز رعاية وتطوير الموهبة حرفة لا يتقنها غير أهلها من المتخصّصين 

 

د.باسل عبدالمهدي*

كتب واحد من ألمع عُلماء الاجتماع بعد نكبة حرب الخليج الثانية والتداعيات التي صاحبت انسحاب الجيش العراقي ومُجريات خيمة صفوان ما معناه:

” حين يصبح المقاول أقوى من صاحب المسؤوليّة والتلميذ أقوى من معلّمه، يستحيل أن تنتظر مستقبلاً زاهرًا في مجتمع من هذا النوع “.

المقولة هذه برغم قساوتها يمكن أن تنطبق كلّيًا على ما حلّ بالرياضة العراقيّة من تداعيات فكريّة وأخلاقيّة أوصلتها إلى الحالة المُزرية التي هي عليه، ويبدو أيضًا بأنها لم تكن تجارب ( خبرة ) كافية يمكن أن يستخلص منها أي مخلص عِبرة مفيدة في التعلّم.

بقصدٍ أو بدونهِ تلقيتُ من مصدر مجهول صورة من الأمر الإداري الصادر من اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة العراقيّة في 26 آب 2024، والقاضي بتشكيل الفريق الخاص (برئاسة الأمين العام) للعمل مع الخبير الأجنبي لوضع الخطط والبرامج لتطوير المواهب الرياضيّة العراقيّة تحضيرًا للدورتين الأولمبيّتين الُمقبلتين (2028-2032).. اللهم زد وبارك !!

بيان ديواني

ولقد سبق هذا الأمر قبل فترة قصيرة إعلان بيان ديواني صادر من قبل رئاسة مجلس الوزراء كلّف بموجبه مستشاري دولة الرئيس لشؤون الرياضة للقيام بذات المهمّة (بالضبط) وأعقبه، إعلان لقاء مع تسعة من الاتحادات الرياضيّة للتباحث في ذات الغاية.

مراكز رعاية وتطوير الموهبة في وزارة الشباب والرياضة  

وقبل التبحّر في تفصيلات الأوامر المذكورة ومراماتها، نرى وجوبًا إعلام القارئ والمتابع الكريمين، بأن هناك في وزارة الشباب والرياضة أيضًا مركزًا رسميًّا لرعاية وتطوير الموهبة الرياضيّة أسّس بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء، لا زال مفعوله ساريًا، ويعمل وفق نظام خاص حضر متكاملاً لهذا الغرض، كما أقرّت له ماليّة سنويّة حكوميّة تصرف لتغطية أنشطته منذ أكثر من عشر سنوات!! يُدار المركز المذكور بإشراف لجنة فنيّة وإداريّة عُليا برئاسة مستشار الوزير للشؤون الرياضيّة، وتضمّ عددًا من الأخصائيين من مختلف الفروع العلميّة والإداريّة منهم من منتسبي الوزارة وبعضهم من خارجها يتمتعون بقدرٍ وافٍ من الخبرة والمصداقيّة.

للمشروع المذكور فروع في كُل المحافظات عدا الإقليم، يواصل التدريب والتأهيل بانتظام فيها اليوم قرابة الـ ( 3500) شاب وشابة في (13) نوع من أنواع الرياضة.

برغم العديد من المنغصات الإداريّة والماليّة التي يواجهها المركز، فلقد أثمرت نشاطاته الأوليّة عن عددٍ غير قليل من الإنجازات أهمّها ما ضخه من مواهب رياضيّة مكتملة الأعداد فنيًّا لمنتخبات الشباب والشابّات في عددٍ من ضروب الرياضة، لعلّ أبرزها، البطل الربّاع علي عمار والمئات من أمثاله من الموهوبين الشباب من الجنسين ممّن تنتظرهم فرصًا أكيدة للتألّق في مختلف الفعاليّات الرياضيّة وألعابها.

أضف إلى ذلك فإن إدارة المركز المذكور تتولّى رعاية وتأهيل ما يزيد عن 150 شابًّا وشابّة من المُبتلين بـ (المنغوليا) وبالتعاون والتنسيق مع عوائلهم الذين سبق تعرضهم الى عمليات تهديد وابتزاز  مالي مستمر من قبل أحّد مسؤولي (الاتحاد المعني)، وأن أعدادهم بازدياد متواصل.   

ضمانة واستقرار 

ليس دفاعًا أو تحيّزاً للمشروع المذكور، إلا أن مقارنة بسيطة مع المطروح في بيان السادة المستشارين والأمر الصادر عن الأولمبيّة، وما تحقق من إنجازات في التنظيم والإدارة يبدو فيها، بأن مركز الموهبة هذا أكثر ضمانة واستقرارًا في القدرة على تحقيق الغايات المنشودة. يكفي ذلك الإشارة إلى ارتباطه بالجهة القطاعيّة الحكوميّة الرسميّة المسؤولة (قانونيًّا) والمعنيّة بمثل هذه الشؤون، الحالة التي تمكّنه أيضًا من استخدام منشآتها ومرافقها الرياضيّة في بغداد والمحافظات، كذلك استثمار وتوظيف اتفاقيّات التعاون الدولي المشترك مع البلدان الأخرى والمنظّمات الدوليّة المعنيّة لإقامة معسكرات ونشاطات رياضيّة مشتركة أو زيادة في تأهيل الملاكات العاملة.

وللعلم أيضًا، فقد تواصَلت خلال الأسابيع القليلة المنصرمة عمليّة استقدام مجموعة من الخبراء الدوليين في عددٍ من أنواع الرياضة نُظِّمت لهم دورات وورش عمل وتدريب مع الرياضيين المُنتمين وملاكاتها الفنيّة والإداريّة. كذلك زار بغداد والمركز واطلع على نشاطاته ومرافقه الحديثة ثلاثة من الخبراء يمثلون مؤسّسة استثمار دوليّة معروفة، تم التباحث معهم في مهمّتهم، كما نظّمت لهم محاضرة وورشة عمل في الأساليب الحديثة لنشر ثقافة الاستثمار في الحقل الرياضي حضرها كُل منتسبي المراكز من الإداريين وعدد من المسؤولين والمهتمّين من داخل وخارج الوزارة.

عاملان مؤثران 

عانت رياضة ما بعد السقوط في بلدنا الحبيب من تأثيرات عاملين اثنين عطّلا قدرتها على الاستقرار وعلى الديمومة المطلوبة في تواصل تصاعد إنجازاتها:

– أوّلهما ، حريّة عدم الانضباط والسلوك الوصولي الشائِن الذي أفرزته الظروف السياسيّة والاجتماعيّة في البلاد عقب سقوط نظام القهر وتسلّطه الظالم على حريّات البشر لسنوات. 

– وثانيهما، الديمقراطيّة العليلة التي مورست بلا ضوابط ومعايير كفاءة وخبرة ونزاهة في انتخابات قيادات ومجالس إدارة أجهزة الرياضة ومؤسّساتها، نتيجتها أن تزايدت في الوسط حالات متكرّرة من التزوير وتفشّي ظاهرة الرشى وتجارة المنشّطات الممنوعة وانعدام الاستقامة في استخدام وتوظيف الأموال المقرّرة وعدالة توزيعها، كما تكرّرت فيه حالات عديدة من الجرائم وصلت إلى حدود القتل والاختطاف التي راح ضحيّتها نخبة خيّرة من أبطالها ورموزها!

وقبل أن نخوض في ثنايا الأمر الديواني لمجلس الوزراء وأمر الأولمبيّة أعلاه، نتساءل بفضول، ألم يكن وجوبًا حفظًا لمبدأ عدم التشتت في النوعيّة الموظّفة وحرصًا على التقتير في النفقات، نقول، ألم يكن أمرًا ضروريًّا الاتفاق (الرسمي) بين الأطراف الثلاثة أعلاه، ما دامت الغاية والأهداف واحدة كما مؤشّر فيها نصًّا؟

علامات استفهام كبيرة تفصح عن سوء التقديرات في القرارات المتخذة ونتاجاتها المكلفة، كأنها قنابل موقوتة، أضافت وستضيف إلى رياضتنا مزيدًا من التدهور وكثرة متصاعدة في الانفاق ووهن بائن في الاستقرار المنشود.

مزاجيّة التفكير والسلوك التكتلي  

الأمر الديواني الذي سبق في توقيته أمر الأولمبيّة ينصّ على تكليف المستشارين الرياضيين لدولة رئيس مجلس الوزراء البدء بوضع مشروع تطوير المواهب تحضيرًا لدورتي (2028-2032) الأولمبيتين، قد وجد ضالته كما أعلن في لقاء منظّم مع عددٍ من الاتحادات الرياضيّة للألعاب الفرديّة. أنه أمر يكاد أن يكون مستحيلاً في ظلّ العفويّة والمزاجيّة السائدة والعقليّة التكتليّة التي تعد وتدار فيها المناهج المتخلّفة لغالبيّة الاتحادات الرياضيّة العراقيّة ونُظم مسابقاتها السنويّة إجمالاً، الخالية من أي نظرة مستقبليّة قريبة أو بعيدة يمكن أن تعطي بصيصًا من أمل!!

إن تجربةَ السنوات المارّة ونتائجها المُخيّبة وفضائحها وتكتلاتها المتكرّرة منذ السقوط وإلى اليوم، شاهدٌ يفصح عن ضعف جدوى التعامل مع العقليّة التي تدار وتنفذ بها قرارات غالبيّة اتحادات الرياضة في البلاد. الأحداث والأرقام والوثائق والإحصائيّات جاهزة وتفصح حقيقة كُل ذلك!

ماذا في أمر اللجنة الأولمبيّة؟

أما الأمر الإداري الصادر من قبل اللجنة الأولمبيّة فيؤشّر مضمونه عن ردّة فعل منفعِلة وبلا تحفظ، وعن تفكير وأجندة محسوبة في التحضير لانتخابات المكتب التنفيذي للجنة الأولمبيّة المقرّر أو المفترض إجرائها بعد انتهاء الدورة الأولمبيّة كما تلزم ذلك نصوص الميثاق.

لا نتجنّى على أحّد حين نفصح بأن كُل الأسماء الواردة في الأمر المذكور، عدا د.طارق النعيمي ود.أحمد ثامر محسن ليست قادرة وغير معنيّة (مهنيًّا وتخصّصيًّا) بموضوعة البيان وغاياته، كما ليس في جعبتها ما يكفي لتحقيق أهدافه غير مساعي لضمان كسب الأصوات من صفوف ما يُسمّى بأعضاء الهيئة العامّة تحضيرًا لانتخابات المكتب التنفيذي للجنة الأولمبيّة!

(بلاوي) إفرازات سوء الإدارة! 

من المُخجل الإشارة إلى أن الدكتورين النعيمي ومحسن قد حشرا إلى عضويّة اللجنة المذكورة دون استشارتهما مُسبقاً كما أكّدا ذلك شخصيًّا. هذه واحدة من إفرازات و(بلاوي) سوء الإدارة ووهن تقديراتها في عمليّات صنع قرارات رياضتنا.

فليس مقبولاً أن تشكّل لجنة برئاسة شخص غير معني أو متخصّص، تسلّق إلى موقعه المرموق، كما العديد غيره من قيادات الرياضة، كنتيجة لسياسة مقصودة اعتمدها لسنوات رعد حمودي في منهاج إدارته. سياسة سعت إلى البحث عن الضعيف قبل المقتدر وعن الموالي قبل صاحب الخبرة وعن التابع قبل الأمين. كُل ذلك لم يكن كافيًا لهذا (الأمين) لنكث العهد مع من أولاه (الأمانة) ذهب نتيجتها وبها متنقلاً إلى كُل أطراف الدُنيا متمتّعًا بمزايا اكتنز منها الآلاف المؤلّفة من النقد الثقيل دون أي ظهور أو عطاء يُذكر عدا إجادته الإنكليزيّة مُترجمًا !! لجنة تشكّل بمثل هذا الشاكلة، يضاف لها من غير استشارة مُسبقة اثنين من حملة أعلى لقب أكاديمي تخصّصي (بروفوسور) لا يمكن لها أن تلبّي بنجاح متطلّبات تشكيلها.

وإذا ما أردنا التعمّق في عرض مضمون التشكيلة كما جاءت في نص الأمر، فإن المشاور الإعلامي لرئيس اللجنة لا يمكن أن تكون له مهمّة مهنيّة إعلاميّة تذكر في مثل هذا النوع من الأنشطة. إن نشاطات مراكز تطوير وصنع الموهبة الرياضيّة تبقى، أو بالأحرى،  يجب أن تبقى من الأسرار غير المُعلنة في العمل الرياضي للأسباب المعلومة.

كذلك هو الحال بالنسبة للأمين المالي والضرورة المهنيّة التي تقتضي وجوده في اللجنة، لكنه، وكما معلوم ومنذ إلغاء نتائج انتخابه من قبل المحكمة الاتحاديّة كرئيس للجنة الأولمبيّة في مواجهته مع رعد حمودي حينها، لازال في جعبتهِ عددًا من الموالين من أعضاء الهيئة العامّة للأولمبيّة (4 – 5) ويمكن أن يشكّلوا بيضة القبّان في الانتخابات المقبلة، برغم أن فيهم من سبق وأن صدرت بحقهم أحكام جنائيّة وعقوبات اخلاقيّة. هذه العقوبات ، مثلها مثل الرياضيين الذين كشف أمر تعاطيهم المنشّطات لم تعد تلاقي اهتمامًا يذكر في أذهان مسؤولي الرياضة، مع الأسف، ما دام هناك حسابات لأصوات انتخابيّة!  

وماذا جنت أو ستجني الرياضة؟

حصيلة كُل هذا الكلام، فإن رياضتنا ونتائجها ستظلّ أسيرة لنزعات فرديّة وصراعات مصالح خاصّة وأجندات تسقيط وشراء ذمم متبادل، يمكن أن تعطّل أي منهج لاستقرارها. فلقد تم في بلدنا على مدار كُل السنوات التي خلت تنظيم العديد من المؤتمرات والندوات والاجتماعات والورش نوقشت فيها دراسات وبحوث شارك فيها خبراء من داخل وخارج البلد، استنزفت أموال وأتعاب كبيرة، لكن مخرجاتها وتوصياتها جميعًا وبلا استثناء بقيت حبيسة الأدراج اعتلاها التراب دون أن تجد لها منفذاً للتنفيذ لذات المُسبّبات.

أين الحل؟

نؤكّد ونعيد تكرار ما عرضناه في مقالة سابقة تحت عنوان:

“خليّة الأزمة ومهمّاتها في اصلاح المنظومة الرياضيّة”.

في مضمونها تمثل أفكار وطروحات يمكن أن تكون وسيلة ذات فاعليّة مفيدة، تمهّد لمعالجة شاملة بضمانات محسوبة في استقرار وتطوير أوضاع رياضة بلاد الرافدين ونتائجها، إن سلمت النوايا!

لمن يرغب بالمزيد، يمكن العودة للتعرّف من مضمونها عن مزايا وفوائد ما يحسبه الجهلة (تهمة) في موضوعة (نظريّة العمل) والسياسة الموظّفة في تحضير الفرشة الممهّدة والملائِمة للأخذ برياضة البلاد نحو ما تستحقه من رُقيّ.

قل اللهم إني بلّغت.

 

* أكاديمي متخصِّص في (السياسة الرياضيّة)

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

تقنيّات تركيز لاعبات الجُمباز على عارضة التوازن

  كتب: د. قاسم الكناني* يتساءّل كثيرون كيف تركّز لاعبات الجُمباز على جُملتهم الحركيّة على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *