الكلُّ يسألُ عن أسودِ محمود!

 

إياد الصالحي

كالعادة، يلتقي كُل أهل الخليج في مناسباتهم الكرويّة كالتي نعيشُها معهم اليوم في أيّام آسيا الباهرة واحدة من أجمل نسخ البطولات الثماني عشرة التي مرّت في تاريخ الاتحاد الآسيوي، لا شغل يشغلهم غير الحديث عن مصير منتخباتهم التي يريدون لها أن ترتقي من حال إلى حال، وتركبُ موجة التغيير في الأُسلوب والتحضير والمنافسة لعلّها تمسُك بحظوظ الرِفعة وتخلعُ جُلباب الهزائِم إلى غير رجعة!

أينما حلَلْتُ يسأَلني السعودي (كيف حال العراق)؟ وذاك العُماني حائر (هل هو قادر على الوصول إلى النهائي)؟ ويُلقي القطريُّ التحيّة مقرونة بالدعاء أن ينتصر الأسود في كُلّ جولةٍ، ففأل قطر ينهمر عليهم كالمطر في شدائد اللعبة، ولم يكتفِ بهذه، بل راح يتخيُّل أن سيناريو جاكرتا عام 2007 يمكن أن يُنتَجَ هنا في ملاعب المونديال! تملّكني الاستغراب أمامهُ، فاستدركَ قائلًا (إذا كان الأسود كأسود يونس محمود فلِمَ لا .. سنراهم على المنصَّة)؟

عُدْتُ إلى الفندقِ وأجريتُ مقارنةً بين كُلِّ أمانيّ الخليجيين الطيّبين الذين التقيتُ بهم والمُطمئنّين لتمثيل مُشرِّفٍ لمنتخبنا وبين أحلام العراقيين المولعين بحبُّ كرتهم، وجدتُ أن الخوفَ عندنا أكبر لما نعرفهُ عن حقيقة تحضيرات الإسباني كاساس، وما واجههُ من حَرَجٍ في خيارات قوائمهِ التي غالبًا ما كانت مطعونةً بتشكيك المُراقبين كونهُ لا يعرفُ اللاعب المناسبَ للمركزِ المتوائم مع قدراتهِ إلا بعد مشورةٍ أو ضغطٍ كما سمّوه من مصدر القرار في الاتحاد العراقي، وهذا ما نفاهً الرجلُ لكنّه لحدّ الآن يعجزُ عن بيان هويّة منتخبنا!

ظلَّ كاساس يتأرجحُ في التجريبِ من دونِ أن يَظهرَ كمدرّب مرحلة مفصليّة تحتاجه كرتنا بُعيد غربلته صفوف الفريق لأكثر من مرّة بدليل أنه لم يكسب إجماع الجماهير على توليفاته أثناء قيادته منتخبنا في ثلاث عشرة مباراة فاز في تسع منها وخسِر في ثلاث وتعادلَ مرّة واحدة، سجّل المهاجمون تحت إشرافهِ أربعةً وأربعينَ هدفًا وسمَحَ الحُرّاسُ بدخول ثلاثين كرةً في مرماهم! واليوم يبدأ الحساب الفعلي مع كاساس في أولى مواجهات محكّ البطولة القارّية مع إندونيسيا لنرى خُلاصة تجربته مع أبناء الرافدين.

الأمر يحتاجُ إلى إدارة تعمل بواقعيّة وتحسمُ أمرها بعد شهرين أو ثلاثة من تولّي المدرب أي مدرب لمهمّته، ففييرا مثلًا لم يكن قد أنهى سوى القليل من الوحدات التدريبيّة في عمّان وتعرَّف خلالها على رفاق يونس محمود ومنحهُ رئيس الاتحاد الأسبق حسين سعيد مبلغًا قليلًا قُرابة 20 ألف دولار مع رصيد أكبر من الثقة، وذهب بالفريق إلى بطولة آسيا الرابعة عشرة، ووصل إلى النهائي وتوّج بأهم إنجاز للكرة العراقية!

ربما الحظ والصدفة تقودان أي مدرب للصعود إلى قمّة المنافسة، لكنهما لن يكونا عونًا لفريق أعرج يستبدل أفراده كلما تعثّر في المسير أو تندّر به الجمهور! فمنتخب الوطن ليس مقرّا للمُراهنة والمزاجيّة والدعم الشخصي عبر السوشيال ميديا، بل هو المُمثل الرسمي لدولة العراق، وعلى مَن يتصرّف بشؤونِ لاعبيه ومدرّبه وسياستهِ كمشروع احتكاريّ له لا يؤتمَنْ عليه، وستكون نهايته السقوط الحتميّ وإن طالَ احتلاله الموقع!

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

اللعبة هزمَت الحرب وفرّقت الدماء!

  إياد الصالحي “العراقيون يؤمنون بشيء واحد هو أنهم خليط متجانس.. وستعرفون ذلك، فلا فرق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *