
متابعة – سمير السعد
في زمنٍ باتت فيه المنافسة الرياضيّة تحمل أحيانًا أبعادًا تتجاوز حدود الملاعب، يظهر لنا لاعبون يعيدون للأذهان المعنى الحقيقي للرياضة: المحبّة، الإخوَّة والروح الرياضيّة.
في مباراة جمعت بين المنتخبين الشقيقين، العراق والكويت، تألّق النجم الكويتي “يوسف ناصر” بتسجيله هدفين، لكن هدفه الأسمى لم يكن على أرضيّة الملعب فقط، بل في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء.
عندما حاول أحّد الحاضرين توجيه سؤال استفزازي، ردَّ يوسف ناصر عليه بكلمات تجسّد الروح العربيّة الأصيلة “العراق والكويت واحد، وشعب واحد وإخوّة، ونكن كُلّ الاحترام لشعبنا في العراق، ولا نريد ولا نسمح لمن يحاول التفريق بيننا”.
ردٌّ مختصر، لكنه كان بمثابة هدف ثالث يسجّله ناصر، ليس في شباك المنافس، بل في قلوب الجماهير العربيّة التوّاقة إلى هذه الروح النبيلة.
إنه درسٌ في الأخلاق قبل أن يكون مجرّد تصريح، درسٌ يثبت أن الرياضة ليست مجرّد تنافس على المستطيل الأخضر، بل هي رسالة محبّة تجمع الشعوب وتقرّب المسافات.
لقد قدّم ناصر نموذجًا يجب أن يُحتذى به في الملاعب العربيّة، حيث تكون الرياضة وسيلة لتعزيز الروابط الأخويّة، وليس لإثارة الفُرقة! فكم نحن بحاجة اليوم إلى لاعبين يحملون مثل هذه المبادئ، إلى نجوم لا تقتصر إنجازاتهم على التهديف، بل تمتدّ إلى نشر ثقافة الاحترام والتآخي بين الشعوب.
إن كرة القدم، باعتبارها اللعبة الأكثر شعبيّة في العالم، تمتلك القدرة على توحيد الناس، وتجاوز الخلافات، ونشر ثقافة السلام والمحبّة.، وهذا ما جسّده اللاعب بموقفه النبيل ليُبرهن أن الأخلاق في الملاعب هي التي تصنع الفارق الحقيقي، وهي التي تبقى في الذاكرة أطول من أي هدف يُسجّل على العشب الأخضر.
تحيّة تقدير للاعب الخلوق “يوسف ناصر” ولكُلّ مَنْ يؤمِن بأنّ الرياضة رسالة قبل أن تكون منافسة، وأن الأخلاق فوق كُلّ انتصار، فالملاعب ليست فقط ساحات للتحدّي، بل منصّات لنشر القيم النبيلة، وهي مسؤوليّة يتحمّلها اللاعبون كممثلين لشعوبهم وأوطانهم.
ما فعله هو تذكير بأن الرياضة يمكن أن تكون جسرًا للتواصل، ومساحة لترسيخ الوحدة والتلاحم بين الأشقاء، لا ساحة للفرقة والاستفزاز.
عندما يرفع اللاعبون شعارات الاحترام والتقدير المتبادل، فإنهم يسهمون في تعزيز روح المحبّة التي يجب أن تكون العنوان الأبرز في المنافسات الرياضيّة.
في ظلّ عالم يشهد تحدّيات كثيرة، تظلّ مثل هذه المواقف مصدر أمل بأن الرياضة ستظلّ عاملاً يجمع ولا يفرّق، ويبني جسور الودِّ والتقارب بين الشعوب. فالتنافس الشريف مطلوب، لكن الأهم أن يبقى في إطاره الرياضي دون أن يتحوّل إلى أداة للفرقة.
وهذا ما أكّده ناصر بردّه الحكيم، ليكون مثالًا يُحتذى به لكُلّ رياضي يؤمن بأن الأخلاق تبقى أوّلاً وأخيرًا، وأن الألقاب والبطولات لا تساوي شيئًا أمام قيمة الاحترام المتبادل بين الشعوب.
هكذا نريد رياضتنا، وهكذا نريد نجومنا، سُفراء للمحبّة، وروّادًا في تعزيز الوحدة، لأن كرة القدم، كما كانت دائمًا، هي لغة الشعوب التي لا تحتاج إلى ترجمة، بل إلى قلوب تؤمِن بأن الإخوّة فوق كُل شيء.