متابعة – يعقوب ميخائيل
يوم حزين آخر يمرّ على وسطنا الرياضي عامّة، وكرة اليد خاصّة ونحن نتلقى أمس ( الخميس 23 أيار 2024 ) الخبر الفاجعة برحيل “عبدالوهاب محمود” أحّد رموز اللعبة مدرّبًا وإداريًّا مثاليًّا سخر جهده من أجل خدمة اللعبة أينما حلَّ أو كُلِّف بمسؤوليّة كان على الدوام يستبقها بخلقه الرفيع الذي طالما اقترن بابتسامته الحلوة التي كانت عنواناً دائماً للعزيز الراحل (أبا فيد) مع كُل من عاشرهُ عن قرب وأدرك ماذا يعني (هوبي) في وسط كرة اليد العراقية؟!!
رفقة طويلة امتدّت لسنوات طوال وهو يمضي بعملهِ الدؤوب من أجل أن ترتقي لعبتهِ كرة اليد إلى مقام الرياضات الأخرى التي اعتادت أن تكون منسيّة على حساب معشوقة الملايين كرة القدم! خلال فترة الثمانينيّات تولّى الراحل عبدالوهاب محمود أمانة سر الاتحاد العراقي لكرة اليد.. ويومها حرس بوجود الدكتور علي تركي أطال الله في عمره على رأس هرم المسؤوليّة كرئيس لاتحاد اللعبة ومعه مجموعة من خيرة الكفاءات التي عملت بتفانٍ واخلاص أذكر منهم الدكتور صاحب حسن عزيز وعباس مدلول والراحل الدكتور حازم عزيز كنعان وقبلهم أساتذتنا الأفاضل الدكتور كمال عارف الذي يبقى صاحب الفضل الأوّل والأخير في إدخال لعبة كرة اليد إلى العراق بمعيّة أستاذنا الكبير الدكتور سعد محسن أطال الله في عمره والذي سبق وأن أشرف على تدريب منتخباتنا الوطنية، أقول عندما تولّى الراحل (هوبي) أمانة سر الاتحاد إنما كان أشبه بـ (خليّة نحل) حريصًا على وجوب إقامة مباريات الدوري على أكمل وجه.
يومها، أي في تلك الفترة شهدت اللعبة تطوّرًا غير مسبوقٍ اقترن بإقامة الكثير من الدوريّات الأخرى (الناشئون والشباب والنساء) التي أسهمت بشكل واضح وكبير ليس فقط في تطوير اللعبة، وإنما في توسيع قاعدتها وبروز منتخباتها في الكثير من المشاركات الخارجيّة على مراحل مختلفة.
في العام 1989 تشرّفتُ بمرافقة منتخبي الشباب والناشئين إلى بطولة “تيرامو الدوليّة” المقامة سنويًّا في مدينة تيرامو الإيطاليّة كصحفي مُرافق لمنتخبي العراق مرشّحًا عن نقابة الصحفيين العراقيين، وقد نجح منتخبنا الشبابي في إحراز المركز الثاني في تلك البطولة التي حظيت بمشاركة واسعة من قبل الكثير من الفرق والمنتخبات بالفئات العمريّة، وكان الراحل عبدالوهاب محمود ضمن الكادر التدريبي المُشرف على منتخبنا الشبابي إلى جانب المدرب الراحل خالد أحمد منصور، وكذلك المدربين القديرين صباح داود وفتحي كميل.
ذكريات لا تعد ولا تحصى وأيام تبقى محفورة في الذاكرة كلّما مررنا بتلك الأيام التي طالما جمعتنا في منافسات دوري كرة اليد الذي أخذ حيّزاً واسِعاً من الاهتمام الإعلامي والجماهيري بحيث بات الكثيرون (في حينها) يتساءلون: هل أصبح دوري كرة اليد ينافس دوري كرة القدم؟!
لم يكن الراحل عبد الوهاب محمود مجرّد (رقماً) تقليديًّا في عِداد الأرقام التقليديّة غير المؤثرة التي باتت تهيمن على الكثير من الاتحادات الرياضيّة (اليوم) ولكن دون جدوى أو فائدة تُذكر.. وإنما كان خير العناوين التي وضعت قاعدة رصينة للنهوض باللعبة على وفق شعور بأعلى مقام في المسؤوليّة التي باتت غائبة في الكثير من مفاصل الرياضة.
العزيز (هوبي) يبقى في القلب وفي حدقات العيون.. كيف لا .. وما زالت (قفشاته) (وقهقهات) ضحكاته تمرّ أمام ذاكرتي ونحن نصطحب الذكريات معاً بمُحاذاة دكّة الاحتياط (كما اعتدنا) مع العزيز شيخ مدربي كرة اليد القدير ظافر صاحب متمنيّاً له موفور الصحة والسلامة بعد تعرّضه لوعكة صحية في الآونة الأخيرة وزميلي الأستاذ الصحفي القدير هيثم محمد رشيد والكابتن قتيبة أحمد وصباح داود والعشرات من أبناء لعبة كرة اليد الذين يؤكّدون على الدوام حرصهم على إبقاء هذه اللعبة في طليعة الألعاب التي يجب أن تحظى بالدعم الذي يسهم في ارتقائها إلى مصاف المستويات العُليا.
الرحمة للأخ والصديق والإنسان الرائع عبدالوهاب محمود الذي بحقّ استعجل الرحيل!! لكنها مشيئة الله جلّ جلاله.. رحمه الله واسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وجميع محبيه وفي مقدّمتهم أسرة كرة اليد العراقية الصبر والسلوان. إنه سميع مجيب.