
انتصار السراج
تنتج في شهر رمضان المبارك العديد من البرامج الفنيّة والرياضيّة التي تحرص على استضافة نجوم الفن والثقافة والرياضة ليتجاذبوا أطراف الحديث عن مختلف الأمور التي خاضوها سابقاً أو تلك التي تركت انطباعًا أو ذكرى لدى البعض منهم، ليقوموا باستذكارها أو سردها بين الفينة والأخرى في مختلف تلك البرامج وعلى مرّ السنين.
مع إني لستُ بالضدّ لهذه البرامج التي تقدّم لنا المُتعة تارة والفائدة تارة أخرى، لكني لستُ مع إعادة شريط الذكريات نفسها وإعادتها نفسها في كُلّ استضافة، وفي كُل عام وكأن المواضيع قد انتهت، ولا وجود للحاضر أو المستقبل للتحدّث فيهما أو الاستفادة من الخطط المستقبليّة والحياة الجديدة وهي تدور بسرعة كبيرة تاركة ورائها العديد من الذكريات التي لا أجد لها مبرِّرًا لعرضها كُلّ عام وبنفس السيناريو المُكرَّر والمستهلك مع إضافات غير منطقيّة تغاير واقع ما رواها الشخص في رمضان العام الماضي!
لا أعرف السبب في تفضيل البعض التحدّث عن الماضي وذكرياته بشكل متكرّر فهل هو ناتج عن عوامل نفسيّة واجتماعيّة أم أن البعض يشعر بالراحة في استرجاع اللحظات التي عاشها، خاصّة إذا كانت تلك اللحظات مليئة بالتجارب الجيّدة أو المشاعر السعيدة، أو يمكن أن يكون الماضي مصدرًا للأمان أو الاستقرار في فترة يشعر فيها الشخص بالتغيير أو بالقلق.
أو قد يكون التحدّث عن الماضي وسيلة للتعاطي مع الحنين، أو حتى لتفسير كيف أصبح الشخص ما هو عليه الآن؟ أو أن الذكريات تساعد أحيانًا في فهم الذات أو التواصل مع الآخرين، خاصّة إذا كانت الذكريات مرتبطة بالعلاقات أو التجارب العاطفيّة المهمّة.
فمن الملاحظ أن أغلب النجوم الذين ظهروا في برامج رمضان الرياضيّة أعادوا نفس حكاياتهم عن العقود السابقة التي أصبحت من الماضي، وأن الكثير من الذكريات لم تعد ذات قيمة بحكم أنها انتهت مع زوال الشخوص الحاكمين للرياضة في وقت مضى، كما إن بعض الذكريات قد تحيي عداوات قديمة أندملت جراحها بفعل تدخل وسطاء يومها، ولكن اليوم تعاد بروايات تعمّق الجراح أكثر سخونة، وهذا غير مقبول وغير مُرضٍ أبدًا.
الإنسان المؤمِن يتذكّر دوره في الحياة بشكل واعٍ ومتفهّم، وأنه مسامح كريم، وينسى ما جرى له منذ فترات انتهت، فلماذا هذا التلذذ بسرد أحداث سوداويّة، وفتح العديد من الجراحات التي كان الزمن كفيلاً بأن يدملها ويمحيها.
مع مرور الزمن والوقت أيضًا دعونا نتطلّع إلى زمن جديد وحياة جديدة، فالأجيال الآن قد كبرت والغالب من يشاهد البرامج اليوم أصبح عمره 22 سنة أي أنهم ينتمون الى زمن ما بعد 2003 وزمن الماضي انتهى وذهبت معه الذكريات المؤلمة التي لا فائدة من سردها سوى فتح جراحات قديمة كان الزمن كفيلاً بأن يداوي العديد منها.
ولتكن البرامج حاليًّا أو حتى ذكريات النجوم فيها فائدة وتعليم وتربية للنشء الجديد للاستفادة من التجارب الجميلة والنافعة التي تنفع الحاضر وتسير بهم إلى أمام، على أن تكون ذكريات الأمس دروس جميلة من الماضي تعبّر عن حياتهم المتطلّعة نحو الغد لأن دروس الماضي فيها عِبَر لنجوم اليوم.