إياد الصالحي
“العراقيون يؤمنون بشيء واحد هو أنهم خليط متجانس.. وستعرفون ذلك، فلا فرق بين شيعي وسني وتركماني وصابئي ويزيدي ومسيحي وحتى اليهودي، أنا متأكّد أنهم يجتمعون من أجل هذا البلد الذي يقطنهُ مئات الآلاف من الذين يتوجّهون فترة الظهيرة إلى الملاعب ويركلون الكرة من أجل حُبّهم للعراق، أعرف أن كرة القدم ستقف في وجه مؤامرات أعداء العراق ممّن يريدون إطلاق شرارة الحرب الأهليّة، وأعرف أنه ربّما تقع الحرب، لكني أعتقد بما لا يقبل الشكّ أن اللعبة هي التي ستحلّ القضيّة وستردّ الكثيرين الذين لا يحبّون العراق ولا يريدون له ولأهله الطيبين الخير والرفاهية”.
ذلك ما ذكرهُ أو ما تنبّأ به عمو بابا “شيخ المدرّبين العراقيين” في مقابلة أجراها الزميل عمار ساطع مراسل مجلة (سوبر) الأسبوعيّة الصادرة عن مؤسّسة الإمارات للإعلام في عددها 101 يوم الأربعاء 3 آب عام 2005، أي قبل سبعة أشهر من اندلاع “الحرب الأهليّة الطائفيّة” التي دارت رُحاها من 22 شباط 2006 إلى 17 تشرين الثاني 2008 في عموم محافظات العراق قبل أن يقصم “أسود الرافدين” ظهر من أذكى نار الاقتتال بانتصارهم الخالد في نهائي كأس آسيا بالنسخة 14 يوم الأحد 29 تموز 2007.
تأريخ “كروي” عراقي متقلّب بين السلام والحرب والهُدنة، شهدناه منذ عام 2003 إلى يومنا هذا، فبعد 19 عامًا من حديث عموبابا كأنه يقرأ مستقبل الأجيال، وماذا سيدور من بعد رحيله! أنتهينا من حرب طائفيّة ليس لمجلس الاتحاد برئاسة حسين سعيد آنذاك أيّة قدرة على إطفاء نيرانها في الملاعب إلا من خلال مناشدة العُقلاء وهُم قلّة في زمنهِ بإبعاد شبحها عن مُحيط اللعبة دون أن يفلح، حتى اضطرّته الظروف الشخصيّة القاهِرة – عقب حادثة اختطاف أحمد السامرائي رئيس اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة الأسبق – ليبحث عن وطن بديل في (الأردن) يُدير فيه شؤون الاتحاد أربع سنوات قبل أن يقدِّم استقالته مُرغمًا ويتّجه للإقامة في قطر.
وبعد أن خمدت نار الحرب طوال تسلّم “ناجح حمود وعبدالخالق مسعود” رئاسة مجلس الاتحاد بـ “التناوب” لم تتخلّص اللعبة بالأخصّ والرياضة عامة من أدخنتها هنا وهناك من خلال إقصاءات واضحة راح ضحيّتها كبار الرياضيين مع الأندية والمنتخبات وإداراتها خسروا المواقع المستحقة لأسباب لا تحتاج إلى أدلّة وشهادات، إذ نُسِبَت إلى الحقد واللؤم وتصفية الحسابات حسب ميول أصحاب المصالح الذين ظهروا بوجوهٍ بشعةٍ كـ (مرآة قلوبهم المريضة) بعد مرحلة احتلال العراق أمريكيًّا!
وفي الوقت الذي بدأت المرحلة المفصليّة لإصلاح منظومة اتحاد كرة القدم لمواجهة الانتقادات الشرسة التي طالتها وضربتها في صميم عملها الفني، شهدت الظاهرة الأخطر خلال حُقبة “الاتحاد الشرعي الثالث” برئاسة عدنان درجال حيث أخذت اللعبة تؤجّج صراع أبناء البلد من المنتمين لفرق أوروبا (المغتربون) وأقرانهم من المحلّيين، وتجلّى ذلك في سوء تعامل الاتحاد مع ظاهرة التفرقة التي تركّزت في المنتخبات الوطنيّة نتيجة منح الصلاحيّات المُطلقة للمدرّبين الوطنيين وعدم معالجته الموضوع ولا الحدِّ من امتداداته إلى شريحة متجاذبة مع التشرذم تستغلّ عواطف الجماهير وقلة خبرة بعض الإعلاميين، ما شكّلت مرحلة مؤسِفة تفرّقت فيها الدماء على أساس “المُغترب والمحلّي” ونسفت 13 عامًا من نجاح كرة القدم في توحيد صفوف الرياضيين داخل الملاعب وخارجها ولعبها دورًا مؤثرًا في نفوس العراقيين فرحًا وحزنًا عبر تأريخها الطويل المبتدىء منذ عام 1948.
نعرف أن عديد الاتحادات في المنطقة تآلفت جماهيرها مع منتخباتها في جميع الظروف وليس هناك أقسى ممّا مرّ به الأشقاء في لبنان وفلسطين، إلا أن تجمّع منتخبيهما بلاعبيهم الوطنيين لم ينظر لهم على أساس مكان إقامتهم ونوع الجنسيّة الثانية المُكتسبة وشؤونهم الخاصّة، بل إلى مردود عطائهم لفانيلة الوطن ومن يستحق الثقة وأهليّة اللاعب للمركز المناسب، أما الجماهير والإعلام في البلدين فلا يختلفون إلا ضدّ من يُقصِّر في مهمة تحقيق الفوز.
إن تصريحات بعض أعضاء الاتحاد ومدربين وإداريين وأشخاص آخرين مكلّفين بإنجاز وثائق اللاعبين المحترفين والمحتوى الاستفزازي والهجومي لبرامج حوارية ومواقع إلكترونيّة ومنصّات إجتماعيّة تحظى بعلاقات وثيقة مع متنفذين في الاتحاد، هُم وراء تعميق الشرخ بين لاعبي المنتخبات عبر تصريحات منفعلة أحيانًا بذريعة الغيرة على مصلحة البلد وساذجة أحيانًا أخرى لعدم استدراك تبعاتها لا سيّما في تلك البرامج التي تستهوي زيادة عدد المتابعين لها بمناقشة الفوارق الفنيّة وأسس تكوين لاعب في أكاديميّة أوروبيّة مقارنة بملعب بائس في ناحية لإحدى المحافظات، وبلغنا المستوى الأعلى في صعوبة ردم الفجوة إبّان مشاركة المنتخب الأولمبي في باريس مؤخرًا!
مسؤوليّة اتحاد الكرة تقتضي الحزم بتجميد عمل أي عضو مكتب تنفيذي أو مدرب مُعتمد أو لاعب في أي نادٍ يغمز بقناة التفرقة لزعزعة كتيبة “أسود العراق” التسمية الشاملة لكُل أطيافهم ومناطقهم وجذورهم، والجامعة لتأريخ رموزهم، والحالِمة باصطحاب ملايين العراقيين للهتاف في مدرّجات البصرة وأمام أجهزة التلفزيون: قوّتكم في وحدتكم لكسر حاجز المونديال.