الرياضة بين الواقع والوهم

 

رعد العراقي

الحديث عن الرياضة العراقيّة يحملُ الكثير من الشجون والحسرات، ويذهبُ بنا إلى مواطن التقييم والمقارنة بين الواقع ونسبة ما تحقق من إنجاز وبين ما يكتنزهُ البلد من مواهب وإمكانات فنيّة وإداريّة مع سيل جارف من الأموال التي أغرقت خزينة اللجنة الأولمبيّة والاتحادات الرياضيّة من عام 2003 ولحد الآن.

مقارنة تبدو أنها لا تستوي في ميزان المنطق حين تكون النتيجة المتحققة أقرب إلى الدرجة الصفريّة وهي بالوصف التقليدي (فاشلة) وغير منتجة، بل أن هناك من الألعاب سجّلت تراجعًا مُخيفاً في وقت كانت هي من تشكّل العمود المضيء للرياضة العراقية على المستوى العربي والقارّي.

ما نتحدّث به لا ينطلق من منظور عاطفي متسرّع، بل هو يستند إلى المنطق المدعوم بالأدلّة القاطعة التي يمكن الرجوع إليها لما هو متحقق من نتائج فعليّة مؤثرة ومستمرّة بعيدًا عن البهرجة والخداع الإعلامي لنتائج تحققت بألعاب غير معترف بها، ومشاركات في بطولات هزيلة لا تحقق أي فائدة مرجوّة ولا تضيف للإنجاز أي قيمة اعتباريّة، بل أن تلك المشاركات ربّما كانت هي السبب في تراجع الرياضة العراقيّة بعد أن أهدرت الأموال على معسكرات ومشاركات وسفرات سياحيّة ووظفت نتائجها لكسب الشهرة إعلاميًّا وتطويعها لمنافع انتخابيّة مستقبلاً بينما خزائن الإنجاز الحقيقي في اللجنة الأولمبيّة لازال خاويًا!  

حين نشرع بالتقييم والدراسة لا بدَّ لنا أن نذهب نحو تحديد الألعاب المعتمدة دوليًّا وبين الألعاب التي تمارس على نطاق محدود ولا تدخل في أجندة الألعاب الأولمبيّة وعندها فإن الإنجاز الحقيقي سيكون محدّدًا بألعاب الأولمبيّة وما دونهِ، لا يمكن إلا اعتباره إنجازًا غير معترف به ولا يشكّل قاعدة مستقبليّة، بل هو أقرب إلى الهواية التي يمكن أن تعوّض عنها بمهرجانات ومسابقات محليّة تكون متنفساً لمن يعشق تلك الألعاب من دون أن نهدر الأموال ونربك العمل الإداري ونغطّي على الألعاب الأصيلة.

وهنا سؤال يمكن أن نطرحه وسنجد الإجابة عليه من خلال سجلات الاتحادات وأيضًا من خلال موقفهم في المشاركة في الألعاب الأولمبيّة في باريس وهو كم بطولة عربيّة أو آسيويّة معتمدة رسميًّا تم تحقيقها خلال السنوات الماضية؟ وما هي البطاقات التي حصدتها تلك الاتحادات للمشاركة في الأولمبياد منذ 2003 ولحد الآن؟ وكم هي المبالغ التي دخلت إلى خزائنها خلال تلك الفترة؟ بالتأكيد سيكون الجواب صادِم ولا يشكّل نسبة يمكن ذكرها.

نقول أن السبب يبدو واضحًا لمن يسعى بالفعل إلى بناء حقيقي بأسس متينة، فالأموال التي يتم انفاقها لا بدّ أن تكون وفقاً لخطط ومشاريع تهدف إلى صناعة رياضة فعليّة تنافس وتحقق الإنجاز، وهنا فإن البداية تكون بكشف وضبط مواطن الفساد ومراجعة الملفات القديمة دون تركها حتى نضمن عدم تكرار تلك الخروقات ونبعد كُل من تسبّب في هدر تلك الأموال ثم نضبط سياقات الصرف وأوجههِ ونحدّد مسالِك العمل من مشاركات خارجيّة والأهم أن يصار إلى إعادة تحديد الاتحادات وفقاً لتقييم دولي وإجراء عمليّة دمج للألعاب المُشابهة وخاصّة غير المُعترف بها أولمبيًّا لضمان تحديد الانفاق المالي وتوجيهه نحو مقاصد أكثر نفعًا إن أردنا الثبات على أرض الواقع لا بدّ أن لا نسمح لمن يستخدم أموال الخزينة بلا حساب ثم يرفعنا إلى السماء بنتائج وهميّة خادعة لا تحمينا من السقوط سريعًا حين نجد أنفسنا خارج أي مشاركة أو منافسة قاريًّا ودوليًّا!

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

استقالوا لشعورهم بالتقصير !

  محسن التميمي في نزالات رياضة الملاكمة يكون المدرب ذكيًّا عندما يرمي المنديل الأبيض فوق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *