أمام أنظار الأولمبيّة.. أفكار عمليّة لتقريب رؤية “صناعة البطل”

 

كتب: رعد العراقي
عدسة : قحطان سليم 

تأريخ مشاركة الرياضة العراقية في الدورات الأولمبيّة يؤشّر وفق الأرقام تراجعًا مُخيفا على مستوى عدد الرياضيين المشاركين، ونوعيّة الألعاب، ومستوى النتائج المتحققة ليأخذ الخطّ البياني شكلاً انحداريًّا كبيرًا يثبت بما لا يقبل الشكّ أن ماضينا أفضل من حاضرنا وربّما سيستمرّ بالانحدار ليكون المستقبل أسوأ إذا لم نقف بجديّة وحرص على معالجة الأسباب وتصحيح المسار عمليًّا وليس إنشائيًّا.

أوّل مشاركة عراقيّة في النسخة الرابعة عشر للأولمبياد التي أقيمت في لندن عام 1948 كانت بلعبتين هي كرة السلّة وألعاب القوى وكان الوفد يتألف من رئيس البعثة ومدرب لكرة السلة وإداريين كانا يقيمان في لندن أساسًا و11 لاعبًا أما المشاركة الثانية فكانت في النشخة السابعة عشر في روما 1960 بخمسة ألعاب هي الساحة والميدان والملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال والدراجات وكان عدد الرياضيين المشاركين 22 لاعبًا وفيها تحقق أوّل وسام أولمبي على يد الربّاع عبدالواحد عزيز الذي خطف الوسام البرونزي بفارق الوزن الشخصي عن صاحب المركز الثاني ليكون هذا الوسام الشاهد “غير قابل” للتشكيك على تراجع الرياضة العراقيّة أولمبيًّا بعد أن عجزت كُل الإدارات المتعاقبة على مدى 64 عامًا من  تأهيل لاعبًا واحدًا لخطف الوسام الثاني للعراق.

وتوالت المشاركات العراقيّة ومعها تقلّصت نوعيّة الألعاب المشاركة فمنها من تواجد بشكل خجول ومنها من اختفى نهائيًّا ككرة السلّة والدراجات وحتى المصارعة والملاكمة التي أخذت بالاختفاء تدريجيًّا، بينما هناك ألعاب لم تسجّل حضورًا نهائيًّا ككرة الطائرة واليد وغيرها.

أما أكبر مشاركة فكانت في دورة موسكو 1980 التي شهدت تواجد 44 رياضيًّا في 5 ألعاب وربّما هناك من يتصوّر أن الخطّ البياني الذي أشرنا إليه بالانحدار بعد أوّل مشاركة لا يمثل دليلاً على ذلك بسبب ارتفاع نسبة التواجد في هذه الدورة إلا أن الحقيقة تلك المشاركة كانت استثناءً بعد أن شهدت مقاطعة الدول الرأسماليّة في حينه لتلك الأولمبياد هي مَن منحت مساحة وجواز مجاني بأعداد كبيرة للرياضة العراقيّة وبرغم ابتعاد وغياب أبرز الأبطال من الكثير من الدول إلا أن لاعبينا عجزوا أيضاً عن تحقيق أي ميداليّة.

وبالمقارنة في عدد الرياضيين المشاركين في أولمبياد باريس 2024 مع كُل المشاركات السابقة والتي لم تتجاوز 4 لاعبين في السباحة والجودو( استبعد بسبب المنشّطات ) وألعاب القوى ورفع الأثقال ثلاثة منهم ببطاقة بيضاء مجانيّة وواحد وهو الربّاع علي عمّار يسر الوحيد الذي تأهّل بجدارة واستحقاق تصبح الصورة واضحة والمُعضلة تحتاج بالفعل وقفة وبحث بعقليّة منفتحة تأخذ بالمقترحات والآراء وتركن جانبًا كُل الخطط والأساليب السابقة التي أثبتت بما لا يقبل الشكّ فشلها وعُقمها في تحقيق النتائج.

حقائق عن الرياضة العراقية

من المعروف أن الألعاب الرياضيّة تنقسم إلى ألعاب فرديّة وألعاب جماعيّة والاثنين معًا سجّلت تراجعًا كبيرًا بالمستوى وعجزت عن تحقيق إنجازات ملموسة باستثناء كرة القدم وبفترات متفاوتة، ومن المنطق القول أن جوهر الأسباب يتمثل أوّلاً بسوء الإدارة ومحدوديّة الفكر المُخطّط والموجّه وما يتبعها من ضعف البنيّة التحتيّة الرياضيّة وغيرها ومهما توفر شرط الدعم ووفرة الأموال حتى وإن كانت خياليّة فإن معانقة النجاح لا يتحقق طالما المبدأ الأوّل غير متحقق، فإصلاح الرأس الذي يحمي الفكر والعقل كفيل بإصلاح وتطوّر بقية الأعضاء!  

وهناك ميزة غاية في الأهميّة وربّما تعادل الذهب إلا أنها تختفي تحت ركام الأهمال لم يجرؤ أحّد على اكتشافها ووضعها في مكانها الصحيح ألا وهي المواهب الكبيرة في شعب تعداده أكثر من 40 مليون نسمة غالبيّتهم من الشباب الموهبين بالفطرة إلا أنهم لا يدركون قيمة هذه الموهبة ولم يجدوا من يأخذهم من أيديهم ويضعهم على الطريق الصحيح وهو ذات الأمر الذي تجهله عوائلهم، بل أن الكثير منهم يخشى ارتياد الأندية الرياضيّة لعلمه وسمعه أما إنها لا توفر له مستقبل محترم أو لأنها لا تستقبل إلا من كان لديه علاقات ووساطات!  

ماذا نقترح؟

في البداية لا بدّ أن نقرّ ونعترف بأن كُل الأساليب والوسائل والخطط السابقة قد أثبتت فشلها! ولا بدّ من مغادرتها والبحث عن أفكار ورؤى جديدة نسابق بها الزمن كمرحلة أولى ومن ثم التفكير بوضع أسس جديدة لكُلّ المؤسّسات الرياضيّة، وهذا الأمر يتطلّب نقل تلك المشاريع لطلب الدعم الحكومي سواء المعنوي أو المساعدة في تغيير القوانين والتشريعات التي لا تحقق مبدأ توحيد القيادة أو التأثير والسيطرة على المفاصل التي لا تستجيب لخطط التطوير والنهوض الرياضي.

وهنا فإننا نطرح منهاج عمل ورؤية جديدة لكيفيّة “صناعة البطل” ما بعد اكتشاف واستقطاب المواهب والاستفادة من الوقت من أجل الإسراع لتهيئتهم للمشاركات الخارجيّة بتدرّج محسوب وصولاً للدورتين الأولمبيتين 2028 و2032.

1- إعادة النظر بالقوانين التي تحكم الاتحادات الرياضيّة وإعادة سلطة اللجنة الأولمبيّة في المتابعة والمحاسبة والمشاركة في إعداد خطط التحضير ونوعيّة المشاركات الخارجيّة وأبواب الانفاق المالي.

2-  مفاتحة الجهات المعنيّة لعمل دراسة شاملة بكُل الاحتياجات من ملاعب وتجهيزات ومراكز لمختلف الألعاب لغرض ممارستها.

3- قيام اللجنة الأولمبيّة بتصنيف الألعاب وفق التصنيف الأولمبي المعترف به للمشاركة، وعلى ضوء ذلك يجري تحديد الدعم المطلوب ماليًّا فليس من المنطق أن تنفق أموال كبيرة على ألعاب لا يُسمح بمشاركتها في الأولمبياد الآاسيوي والدولي وتصنف كهواية وبمشاركات غير معترف بها وهو ما يستوجب إعادة توزيع الميزانيّة لكُلّ اتحاد وفق ذلك التصنيف.

4 – كُل الخطط المعلن عنها في التحضير والإعداد لتهيئة الأبطال مستقبلاً من خلال التوجّه نحو البحث عن المواهب من خلال الاتحادات لا بدّ أن يُعاد النظر بها كونها لا تحقق الهدف بسبب أن أغلب اللاعبين في هذه الاتحادات لا يملكون الموهبة الفطريّة، وليس لديهم أرقام بارزة على مستوى حتى مشاركاتهم الشكليّة وهو ما يعني أن كُل الخطط مهما كانت متطوّرة لا يمكن أن تخلق لاعبًا على مستوى المنافسات العالميّة.

5 – التوجّه نحو فكرة البحث والتقصّي واكتشاف المواهب الفطريّة وبأعمار مناسبة من خلال تشكيل لجان متخصّصة من الخبراء تجوب كُل مناطق العراق وحتى القرى والأرياف ولديها ضوابط ومواصفات وأرقام تأهيليّة محدّدة لاستقطاب المواهب ويمكن أن تكون وفق الخطوات أدناه:

أ‌. العمل على الإعلان والترويج عبر وسائل الإعلام عن فكرة استقطاب ورعاية المواهب وإبراز دور الرياضة وما تحققه من مستقبل وشهرة ومكافآت لمن يمتلك القدرة على إبراز مواهبه وبنفس الوقت تكون تشجيع للاهالي وتغيير فكرة أن “الرياضة لا مستقبل لها”!

ب‌. التركيز بالدرجة الأولى على الألعاب الفرديّة ( الأسرع.. الأعلى.. الأقوى) كالسباحة والساحة والميدان والرماية ورفع الأثقال.

ج‌. إقامة مسابقات بمراكز المحافظات للمنافسة وفق أرقام تأهيليّة محدّدة ورصد مبالغ ماليّة مُغرية للفائزين الثلاثة الأوائل وتكون مع تلك المسابقات فعاليّات تحفيزيّة ودعائيّة تشجع الشباب والأهالي وتضمن للفائزين الانضمام للاتحادات المعنيّة ورعايتهم.  

د‌. إقامة مسابقة نهائيّة في العاصمة بغداد لكُلّ المتأهّلين عن المحافظات لرفع مستوى المنافسة واكتشاف الأفضل والأصلح مع رصد مبالغ ماليّة مُغرية أعلى للفائزين وتنظيم عقود لهم مُلزمة ليكونوا تحت رعاية اللجنة الأولمبيّة في مشروع الموهبة وليكونوا هُم مشروع التطوير والإعداد بدلاً من هدر الأموال والوقت على ذات الرياضيين في الاتحادات!

هـ ‌. تفعيل السباقات الرياضيّة للمدارس والمديريّات التي يمكن أن تشكّل المنجم الحقيقي لاكتشاف النجوم من خلالها وضمّ ما تفرزه من المواهب إلى ما تمّ استقطابهِ من خلال المسابقات الشعبيّة في المحافظات. 

وأخيرًا.. وفق مقولة المُجرّب من وسائل بدائيّة وروتينيّة لا يجرّب ولا يمكن أن يحقق الطموح الآن التجديد بالأفكار والخطط وتوجيه الأموال نحو مقاصدها الحقيقيّة بكُلّ حرص وجرأة هي السبيل الوحيد لرؤية الضوء في آخر النفق المُظلم.

Print Friendly, PDF & Email
أنشر عبر

شاهد أيضاً

“الصقور” يصطادون أسير التركمانستاني بهدفين

  كتب: رعد العراقي نجح فريق القوة الجوية في حصد نقاط أولى مبارياته ضمن المجموعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *